الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } * { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } * { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ }

هذه الآيات امتداد لجواب القسممَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } [النجم: 2] وهنا يقسم الحق على صفة أخرى لسيدنا رسول الله { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [النجم: 3] النطق هو القول، أي ما يقول عن هواه، ولا يأتي بشيء من عنده ولا باجتهاده. { إِنْ هُوَ.. } [النجم: 4] أي: ما هو والمراد القرآن الكريم الذي نطق به محمد { إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [النجم: 4] أي: من عند الله، وهذا أسلوب قصر: ما القرآن إلا وحي وليس شيئاً آخر. { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [النجم: 5] الذي علّمه محمداً وأوحاه إليه { شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [النجم: 5] وهو أمين الوحي جبريل عليه السلام. والقُوَى جمع قوة، فله قُوى متعددة تناسب مهمته، له قوة ذكاء في الاستقبال، وقوة في الحفظ. وقوة في الإرسال والإلقاء، وليس لديه هوى يغير ما جاءه ولا خيانة ولا كذب. وهذه الصفات هي التي حمتْ القرآن من التغيير كما غُيِّرتْ الكتب السابقة. وقد حكى الله تعالى عن أهل الكتاب:يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً.. } [البقرة: 79]. وكلمة { شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [النجم: 5] فسَّرها في آيات أخرى فقال، حتى قبل نزول القرآن:إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة: 77-79]. وقال:نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [الشعراء: 193]، وقال:ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } [التكوير: 20-21] هذه كلُّها صفات جُمعَتْ لجبريل عليه السلام. وهنا قال: { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } [النجم: 6] أي صاحب مِرَّة وهي القوة في كل ما يتناوله، وهي الدقة التي لا تخطئ، والمرَّة صفة تقوى الشيء، تروْنَ الحبل مثلاً عندما يُفتل يكون فَتْله مناسباً لمهمته، فحبل الغسيل مثلاً غير الحبل الذي يُشدُّ به شراع المراكب. كذلك مهمة سيدنا جبريل مع سيدنا محمد، أنْ يؤدي هذه المهمة بقوة ودقة وذكاء بحيث يأتي رسول الله بصورة مقبولة لا تُرد، صورة فيها تشويق لتلقِّي الوحي ولا تردها طبيعة محمد البشرية، كذلك كان للكلام حلاوة لأنه كلام الله ليس كلام البشر، وله ظواهر تدل عليه وعلى مصدره الإلهي. وأول ما جاء الوحيُ رسولَ الله أجهده، لأنها المرة الأولى التي تلتقي فيها الطبيعة البشرية بالطبيعة الملائكية، لذلك تصبَّب عرقاً وبرد وقال: زملوني دثروني، إذن: أثّر في جسده ونفسه، حتى أنه خاف أنْ يكون ما حدث له شيئاً من مسِّ الشيطان. ولما أخبر السيدة خديجة بالأمر وكان لها فطنة في هذه المسألة فقالت له: عندما يأتيك أخبرني، فلما جاءه الوحي أخبرها فجلستْ على ركبته وقالت: أتراه؟ قال: نعم، فكشفتْ عن صدرها وقالت: أتراه؟ قال: لا، قالت: إذن هو مَلَك وليس شيطاناً.

السابقالتالي
2 3