الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } * { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ }

الأرض هي الأرض التي نعيش عليها وهي مفردة، وفي الحقيقة هى أراضي متعددة، كما قال تعالى:خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ.. } [الطلاق: 12] فهي إذن سبع أرْضين. قالوا: لأن الأرض بيئات متعددة من حيث الطقس حرارة وبرودة، ومن حيث التربة وما تحويه من عناصر وما تُخرجه من خيرات. ومن هنا تعددت الأراضي، لذلك العلماء يقولون: هذا حزام القمح مثلاً، وهذا حزام الموز، وهذا حزام كذا. فالحق سبحانه أعطى كل أرض ما يصلحها لنبات معين يناسب السكان عليها، والعيب أننا ننقل إنتاج أرض إلى أرض أخرى لا يصلح لها، ولو صلح للسكان هنا لكان موجوداً عندهم. لذلك نجد النبات في غير أرضه تصيبه الآفات، فلو نظرنا مثلاً إلى حزام الموز تجده في أماكنه قوياً لا تصيبه آفة ولا عطب، فإذا نقلته إلى غير أرضه كثرتْ فيه الآفات وأصابه العطب. كأن الخالق سبحانه يقول لنا: هذا ليس مخلوقاً لبيئتك، بل له بيئته التي يجود فيها، حيث تتوفر له مقومات نموه. والآيات جمع آية، وهي العلامة الدالة على قدرة الخالق سبحانه، وأول الآيات في الأرض نلحظها في توزيع رقعة الأرض بين الماء واليابسة، الماء منه عَذْب فراتٌ، ومنه ملح أُجَاج. العذب نشرب منه، ونسقي الزرع والدواب، والمالح نأخذ منه الأسماكوَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا.. } [فاطر: 12]. والأرض فيها الخصب السهل الصالح للزراعة، ومنه الصحاري والجبال، وفي كل منها الخيرات التي تناسبه. ومن الآيات في الأرض أن الماء ثلاثة أرباع اليابسة، والحكمة من ذلك أنْ تتسع رقعة الماء، وتتسع رقعة البخر التي تعطينا بعد ذلك المطر الذي يكفي للشرب وللزراعة. إذن: الماء المالح هو مخزن الماء في الأرض، وجعله الله مالحاً ليحفظه من العطب ويصونه من التغيُّر، يقول تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 57]. ومن الآيات في الأرض أن مجاري المياة العذبة أعلى مستوى من مجاري المياه المالحة، ولو أن المالح كان أعلى لأفسد المياة العذبة ولمَا انتفعنا بها، يقول تعالى:بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } [الرحمن: 20]. ومن عجائب القدرة في خَلْق النبات أنْ تجد أجود أنواع النخيل والتين مثلاً على الشواطىء المالحة كما في العريش وغيرها، وهذه من طلاقة القدرة التي لا تخضع للأسباب، إنما تفعل ما تريد، فمن الماء المالح نأكل أشهى وأحلى الثمار. ومن الآيات في الأرض الجبال:وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } [فاطر: 27] والجبال كما قلنا هي مخازن الخصب، ومخازن القوت، ومخازن للخيرات الكثيرة من المعادن والأحجار الكريمة.

السابقالتالي
2 3