الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ }

الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يُسلِّي رسوله صلى الله عليه وسلم بعدما لاقى من إيذاء قومه. يقول له: باشر أمر دعوتك ولا تحزن لما يقولون، ولا تيأس من نصرك عليهم، لأن رسول الله وصحابته لما اشتد بهم الإيذاء استبطأوا النصر. وفي ذلك قال تعالى:وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ.. } [البقرة: 214] وهنا يقول له { فَٱصْبِرْ.. } [ق: 39] لأن كل صبر على بلاء وإيذاء بأجر ومنزلة، فكلما ازدادوا في الإيذاء اصبر على أذاهم، فهم يزدادون إثماً وأنت تزداد أجراً. وقوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ.. } [ق: 39] أي: نزِّه ربك تعالى عن كلِّ نقص، وعن كل ما لا يليق به سبحانه من صفات يتصف بها خَلْقه، فالله له يد لكن ليستْ كأيدينا، وله سمع ولكن ليس كسمعنا، فخذ هذه الصفات في إطارلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11]. لذلك الحق سبحانه وتعالى استهلَّ خبر الإسراء والمعراج بقوله تعالى:سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ.. } [الإسراء: 1] أي: نزّه الله عن صفات النقص، ونزّه الله عن مشابهة خَلْقه، لأن في القصة خرقاً للنواميس التي يعرفها الخَلْق. إذن: لا تستبعد هذا الحدث لأنه منسوب إلى الله لا إلى البشر، فمحمد لم يقُلْ: سريتُ بل قال: أُسْري بي. والسرعة هنا في قطع المسافة تُحسب بقوة الفاعل، فأنت تسافر من القاهرة إلى الإسكندرية بالحصان في عشر ساعات، وبالسيارة في ثلاث ساعات، وبالطائرة في نصف ساعة، وبالصاروخ في عدة دقائق. وهكذا تتناسب السرعة مع فاعلها، فكلما ازدادت القوة قل الزمن، فإذا كان صاحب السرعة هو الحق سبحانه وتعالى، فالزمن هنا لا يُذكر، وكوْن رسول الله استغرق في هذه الرحلة ليلة، فهذا لأنه تعرَّض لمرائي عدة استغرقتْ هذا الوقت. ومعنى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } [ق: 39] أي: سبِّح ربك تسبيحاً مقروناً بالحمد على النعم، لذلك تجد أن لفظ التسبيح يأتي دائماً مقروناً بنعمة من نعم الله، وآية لا يستطيعها أحد سواهسُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ.. } [الإسراء: 1]سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36]. لذلك رأينا على مَرِّ التاريخ الكفار والمشركين والملاحدة يعبدون أصنامهم وآلهتهم ويقدسونها، ومع ذلك لم يقُلْ أحد لمعبوده: سبحانك أبداً لأنها لا تُقال إلا لله. كما أن لفظ الجلالة الله لم يُسمِّه أحد رغم وجود الملاحدة ومُنكري الألوهية، لكن لم يجرؤ أحد منهم أنْ يُسمي ولده هذا الاسم، لأنه يخاف أنْ يُسمِّي ولده الله. لذلك قال تعالى:هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65] إذن: أمران لم يجرؤ أحد عليهما لعظمة الله سبحانه، حتى فيما للخَلْق فيه اختيار.

السابقالتالي
2