الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ }

سبق أنْ تحدثنا عن الحروف المقطعة في أوائل بعض سور القرآن، وهنا نكتفي بالإشارة إلى أن هذه الحروف المقطعة مثل ق تمثل جانبَ الغيب في القرآن، والغيب هو محكّ الإيمان كما بيَّنا. فالفلاح الأمي مثلاً يستخدم التليفزيون ويتنقل بين قنواته دون أنْ يعرف كيف يعمل وكيف ينتقل من قناة إلى أخرى، فهو يستفيد به دون معرفة بكيفية عمله، كذلك يستخدم رافعة المياة الطلمبة، وهو لا يعرف ميكانيكية عملها. كذلك نحن مع الحروف المقطعة هذه نؤمن بها وندع معانيها لقائلها سبحانه. والدين ينقسم إلى عناصر ثلاثة: عقائد تعمر القلوب، وعبادات وتكاليف هي عمل الجوارح، ثم الكلام الذي ينقل هذه الأمور كلها وهو مهمة اللسان أي التعبير. وكل من العقائد والتكاليف والتعبير فيه غيب ومشهد، فالله غيب، لكن آثار قدرته في الكون مشهد، والصلاة من حيث ترددك على المسجد خمس مرات وما فيها من ركوع وسجود وحركات مشهد، لكن عدد ركعاتها غيب. فكأن الحق سبحانه يعطينا الغيب في هذه الأشياء ليختبر فينا حقيقة الإيمان، فما علمته دليل على صدق ما لم تعلمه. كذلك الحال في حروف القرآن الكريم وآياته، فآيات القرآن على وجه العموم نفهمها ونعرف معانيها، لكن الحروف المقطعة هي الغيب الذي يجب علينا أنْ نؤمن به حتى ولو لم نعرف معناه، وتبقى هذه الحروف دليلَ إعجاز القرآن. فقوله تعالى: { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } [ق: 1] جمعتْ بين الاثنين، الغيب في ق والمشهد في { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } [ق: 1] وهما المكوِّنان للقرآن الكريم ق دليل الإعجاز { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } [ق: 1] إذن: أتى بالدليل والمستدل عليه. وق تحمل معنى القسَم، وهي حرف واحد كما أقسم الله بالشيء الواحد، فقال:وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر: 1-2] وقال:وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } [النجم: 1-2]. كما يقسم بالحرفين مثل يس، طه، حم، وكذلك يقسم بشيئين من مخلوقاته مثل:وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [الضحى: 1-2] ويقسم بثلاثة أحرف مثل الم، وبثلاثة أشياء مثل:وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا * فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً * فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } [الصافات: 1-3]. ويقسم بأربعة فيالۤمۤصۤ } [الأعراف: 1] وفيوَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } [التين: 1-3] كما يقسم بخمسة أحرف فيكۤهيعۤصۤ } [مريم: 1] وفي قوله سبحانهوَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ * وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ * وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [الطور: 1-6]. إذن: جاء هذا القسم على خمسة أضرب من الواحد إلى خمسة، ولم يزد على ذلك حتى لا يكون القسمُ ثقيلاً على اللسان، ولأن أقصى ما يمكن في الكلمة المجردة خمسة أحرف، لكن في القسَم بآياته الكونية زاد على ذلك. اقرأ:

السابقالتالي
2 3