الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

أي لا تقتلوا الصيد إن كنتم قد أحرمتم بالحج أو بالعمرة أو بهما معا، وإن لم تحرموا فالصيد محرّم أيضاً في حدود منطقة الحرم. وسبحانه قد جعل الحرم زماناً والحرم مكاناً. وهو فَيْءٌ يلجأ إليه الناس من غرور عزة قوم على حساب ذلة قوم آخرين. وقديماً كان يحارب بعضهم بعضا، ولذلك جعل الحق أربعة أشهر حرماً في الزمان، أي لا قتال فيها، وذلك حتى يستريح المتعب من الحرب، ويستريح من يخاف على عزته، أو يذوق فيها الجميع لذة السلام والأمن، وقد يستمرون في ذلك الاستمتاع بالسلام والأمان. وكذلك جعل الحق الحرم أيضاً مكاناً آمناً، لا يتعرض فيه أحد لأحد. وكان الإنسان يقابل في الحرم قاتل أبيه فلا يتعرض له، كل ذلك ليحمي عزة الناس أن تنكسر أمام غيرهم. ومثال ذلك طرفان كلاهما على خلاف مع الآخر، وكل منهما يرغب في الصلح مع الطرف الآخر. وهنا يتدخل أي إنسان من الخارج فينجح لأن الطرفين ميالان للصلح. وكل منهما يريد إنهاء الحرب ولكن تأخذه العزة بالإثم وتستولي عليه الحمية ويأنف أن يبدأ خصمه بطلب الصلح. وقد أراد الحق أن تكون هناك في الأشهر الحرم فرصة للائتلاف والصلح وذلك بأن يلجأ الناس إلى البيت الحرام حتى تنفض البشرية عن نفسها البغضاء وحتى يرتاح البشر من القتال، فتصدر الأحكام في رويّة واتزان وهدوء أعصاب. ويقول الحق جل وعلا: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } [المائدة: 95]. ولا يعتبر الشيء صيداً إلا إذا كان مما يؤكل. أما إذا كان الشيء المصاد لا يؤكل كالسبع وغيره فقد قال بعض العلماء: لا يمنع ولا يحرم ولكنا نقول: إن الصيد هو كل ما يصاد سواء ليؤكل أو حتى غير مأكول، وذلك لنعلم أنفسنا وجوارحنا وأعضاءنا الأدب ونحن حرم. ومعنى " حُرُم " هو أن نكون محرمين أو في الحرم، والحرم له حدود معروفة. وداخل الحرم ممنوع على الإنسان أن يصطاد أي شيء من لحظة بلوغه ميقات الحج والعمرة. إذن فحيز الصيد محدود بالنسبة لكل من دخل الحرم المكّي الشريف سواء أكان محرماً أم لا. وحيز الصيد بالنسبة لمن أراد الحج أو العمرة هو أكثر رقعة واتساعا، ذلك أن التحريم يبدأ من حين الاحرام بالحج أو العمرة أو بهما. ولكن ماذا يكون الحكم إن اعتدى إنسان على الحكم واصطاد؟ { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً }.

السابقالتالي
2 3 4