الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

لقد أنزل الحق هذه الآية ليُطَمْئن المؤمنين السائلين عن الحكم في إخوانهم الذين ماتوا أو استشهدوا وكانوا يشربون الخمر قبل نزول الحكم بتحريمها. { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } و { طَعِمُوۤاْ } لا تخص الطعام فقط ولكن تشمل وتضم الشراب أيضاً، فالحق يقول:إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } [البقرة: 249]. وعلى ذلك فالماء طعام، بمعنى أن طعمه يكون في الفم. وهكذا عرف المسلمون السائلون عن إخوانهم الذين ماتوا أو استشهدوا أن إسلامهم كان مقصوراً على الأحكام التي نزلت في أثناء حياتهم، فقد نفذوا المطلوب منهم بعدم عبادة الأصنام. وقد يكون منهم من مات قبل أن تفرض الصلاة، أو مات قبل أن تنزل أحكام الزكاة أو الصوم، ولذلك لم يفعلوها. وعلى ذلك يكون عملهم الصالح هو تنفيذ التعاليم التي نزلت إليهم. لقد اتقوا الله فنفذوا مطلوب الإيمان على قدر ما طلب منهم الحق، آمنوا بالإله المكلِّف وجعلوا بينهم وبين الله وقاية بأن نفذوا مطلوبه سبحانه امراً ونهياً. والإيمان له قمة هي أن يؤمن الإنسان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبعد ذلك بالأحكام التي تنزل من السماء. واختلف العلماء فيما بينهم في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، فمن العلماء من قال: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ومن العلماء من قال: إن الإيمان يزيد وينقص. والذين قالوا بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، إنما نظروا إلى الإيمان بالقمة العقدية وهي الإيمان بالله. والذين قالوا بأن الإيمان يزيد وينقص إنما نظروا إلى الإيمان بالأحكام التي ينزلها الله، وأخذوا ذلك من قوله الحق:وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [التوبة: 124]. فكل آية تنزل بأحكام جديدة فهي تزيد الإيمان. فعندما نزل الحكم بالزكاة أمن به المسلمون وطبقوه. ومنهم ممن لم يكن يملك المال فلم يطبق الحكم على الرغم من أنه آمن به. فالمسلم يؤمن بالحكم، وإن كان مستطيعاً فهو يفعله، وإن كان غير مستطيع فهو لا يفعله. ولهذا كانوا يستبشرون بالأحكام التي تنزل بها الآيات. وعلى ذلك يكون خلاف العلماء خلافا على جهة منفكة، ونلحظ أن الحق يقول: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [المائدة: 93]. إذن، فهنا ثلاث مراحل: هناك من أدرك حكماً فاتقى الله وآمن وعمل صالحاً، وبعد ذلك انتقل وأفضى إلى ربه فلا جناح عليه، وهناك من عاش ليعاصر أحكاماً أخرى فآمن بها وعمل بها، وهناك من عاش ليعاصر أحكاماً قد زادت فعمل بها أيضاً.

السابقالتالي
2