الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }

أولا نسأل: ما هو الرزق؟ الرزق هو ما انتفع به. فالذي تأكله رزق، والذي تشربه رزق، والذي تلبسه رزق، والذي تتعلمه رزق، والصفات الخلقية من حلم وشجاعة وغيرها هي رزق، وكل شيء ينتفع به يُسمى رزقاً. ولكن حين يقول الحق: { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلاَلاً طَيِّباً } فهو ينصرف إلى ما يطعمه الإنسان. وحين يقول سبحانه ذلك فالمقصود به أن يأكل الإنسان من الرزق الحلال الطيب. إذن فهناك رزق حرام، مثال ذلك اللص الذي يسرق شيئا ينتفع به، هذا رزق جاء به طريق حرام، ولو صبر لجاءته اللقمة تسعى إلى فمه لأنها رزقه. أو الرزق هو ما أحله الله، وهنا اختلف العلماء وتسائل البعض: هل الرزق هو الحلال فقط والباقي ليس رزقاً؟ وتسائل البعض الآخر: هل الرزق هو ما ينتفع به ومنه ما يكون حلالاً ومنه ما يكون حراماً؟ الحق يقول: { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلاَلاً طَيِّباً } [المائدة: 88]. كلوا ما رزقكم هذا أسلوب، { مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } هذا أسلوب آخر. فما رزقكم الله أي نأكله كله، وهذه لا تصلح لإننا لا نأكله كله طبعا بل إننا سنأكل بعضه لأن الذي يؤكل ويطعم إما أن يكون صالحاً لإيجاد مثله، وإما أن يكون غير صالح لإيجاد مثله، فعندما يحتفظ الإنسان بالدقيق مثلاً فهو لا ينتج سنبلة قمح، إذن يجب علينا أن نأكل بعضاً ونستبقي بعضاً صالحاً لأن ينتج مثله، فعندما نحتفظ بالقمح فهو يصلح أن يأتي بسنابل القمح لذلك جاء الأمر بأن نأكل بعض ما رزقنا الله حتى نحتفظ ببعض الرزق لا نأكله، وهذا يعني أن نحتفظ بامتداد الرزق، فلو أكل الإنسان كل القمح الذي عنده فكيف يحدث إن أراد أن يزرع؟ إذن فاستبقاء الرزق يقتضي أن نحتفظ ببعض الرزق لنصنع به امتداداً رزقياً في الحياة. والرزق الحلال هنا نوعان: ما يصلح لامتداده فيحجب احتجاز بعض منه من أجل أن يستخدمه الإنسان في استجلاب رزق آخر. وما لا يصلح لامتداده كالدقيق مثلاً. نأكل بعضه ونحتفظ ببعضه لمن لا يقدر على الحركة. ولذلك نجد الحق في سورة يوسف يقول عن رؤيا الملك:وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]. هنا قال أهل تفسير الرؤيا:قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } [يوسف: 44]. إنه اضطراب في الجواب لأن كونها أضغاث أحلام أنها لا معنى لها، وقولهم بعد ذلك:وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ } [يوسف: 44] فمعنى ذلك أن لها تأويلاً وقد كان لها تأويل، ثم من الذي رأى الرؤيا؟ إنه الملك. ويأتي الحق بيوسف مفسراً للرؤيا.

السابقالتالي
2 3