الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ }

ونعرف أن كلمة " صاحب " وكلمة " صحبة " وكلمة " أصحاب " ، هذه الكلمات تدل على الملازمة، والملازمة في الحياة تكون اختيارية لا قهرية فلا أحد يصاحب أحداً بالقهر. ونفهم من قوله: { أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } أن هذا يعني العشق المتبادل بين النار وأهلها، وليس هذا مرادا، فهو إما أن يكون على سبيل السخرية والاستهزاء بهم، وإما أن يكون المراد هو الملازمة التامة والمصاحبة الدائمة التي لا تنفك ولا تنهى. وبعد أن تكلم الحق عن المشركين وتكلم عن اليهود وتكلم عن النصارى. فهو يتكلم عن المؤمنين، إنه ينفض أذهاننا أولا ليزيل عنها ما علق بها من أمر المخالفين ومناهجهم، ويأتي لنا من بعد ذلك بالأحكام، وقد فعل ذلك في هذه السورة التي تبدأ بآية العقود:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [المائدة: 1]. وعقد الإيمان هو ما يرتفع ويسمو على ما يقوله المشركون ويخرج عما يقوله اليهود والنصارى. ومن بعد ذلك نلاحظ أن الحق بعد أن تكلم عن ضرورة الوفاء بالعقود، فهو يلزم المؤمنين بالمنهج الذي يحمي حركة الحياة. وحركة الحياة يتم استبقاؤها أولاً بالطعام والشراب. لذلك قال:أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } [المائدة: 1]. ومن بعد استبقاء حركة الحياة بالطعام والشراب، ها هوذا يقول: { حُرِّمَتْ }. وهنا لنا وقفة، فعندما يحلل الله شيئاً من أجناس الوجود وحينما يحرم شيئاً آخر من أجناس الوجود فللسائل أن يسأل بعقلانية ويقول: ما دام الحق قد حرم هذه الأشياء فلماذا أوجدها؟ ونعلم في حياتنا العادية أن كل صانع إنما يحدد خصائص لصنعته. ومثال ذلك صانع الطائرة يصمم طائرته ويحدد الوقود اللازم لها، ولا يمكن أن تسير بوقود سيارة، فإذا كانت الآلات التي من صنع البشر تفسد إن استخدمنا لها ما لا يناسبها. فكيف إذن نقول لصانعنا: لماذا خلقت الأشياء التي لا تناسبنا؟ لا بد أن لها مهمة في الكون واستخداماً آخر يجعلها تنتج الأشياء المفيدة لنا. مثال ذلك سمّ الحية، إنه يقتل الإنسان، ولكن الله ألهم الإنسان القدرة على استخراج السّم من الحيّة لقتل بعض الميكروبات. إذن فالعالم قد خلقه الله بتركيب معين. ومثال ذلك نجد التمساح وهو راقد على الشاطئ والطيور تلتقط من فمه بعضاً من غذائها ولا يؤذيها لأن هذه الطيور هي التي تنبه التمساح إذا جاء صياد ليقتنصه، فالطيور تحرص على مصدر قوتها وتحافظ على حياة التمساح، والكهرباء نستخدمها في مجالها، أما في عكس مجالها فهي تصعق وتدمر. إذن فليس للإنسان أن يسأل لماذا حرم الله أشياء على الإنسان؟ لأن لتلك الأشياء دورة في الحياة. ولا يصح أن ننقل الوسيلة لتكون غاية. والحق أراد بالحلال والحرام أن ينتفع الإنسان بالصالح له.

السابقالتالي
2