الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ }

هذه دقة الأداء القرآني الذي جاء من قبل أن يجهد المفكرون أنفسهم في دراسة ظواهر وأحوال النفس البشرية في مجال علم النفس بالبحث والاستقراء والتجارب، وأثر ذلك في وظائف الأعضاء. لقد قال العلم: إن لكل آلة وظيفة، فالعين ترى، والأذن تسمع، واللسان يتذوق ويتكلم، والأنف يشم، واليد تلمس، وقال العلماء في البداية: إن هذه هي الحواس الخمس الظاهرة، وكلمة " الظاهرة " هذه إنما جاءت للاحتياط لأن هناك أموراً يشعر بها الإنسان ولكن لا يدرك كيفية ولا مصدر شعوره بها مثل الجوع أو العطش، أو في أثناء المقارنة بين شيئين أيهما أكثر ثقلاً. لقد حاول العلماء إدراك كيفية تمييز الإنسان بين ثقل وثقل آخر، فقالوا: إن هناك حاسة اسمها حاسة العضل، فعندما يحمل الإنسان شيئاً ما فإنه يجهد العضلات لدرجة تمكنه من التمييز بين درجات الجهد. وعرفوا أيضاً أن هناك حاسة اسمها حاسة البين، وهي الحاسة التي يميز بها الإنسان درجة نعومة أو سمك أي نوع من القماش حتى ولو كان السمك يبلغ الواحد من العشرة من المللميتر. إذن فهناك حواس كثيرة يمكن للإنسان الإدراك بها، وهناك حواس تترك بعضاً من الأثر في النفس البشرية كآثار الحب والميل أو البغض والنفرة، ومقرها الوجدان. كإدراك حلاوة طعم شيء أو كراهة شيء آخر، فإذا استطاب الإنسان شيئاً أخذ منه مرة ثانية، وهذا العمل هو نزوع يتبع الوجدان الذي يتبع الإدراك. إذن فهناك إدراك يدرك. وهناك وجدان يجد، وهناك نزوع ينزع. مثال ذلك إدراك وردة جميلة المنظر واللون في بستان هذا الإدراك قد يصيب من القلب عشقاً وحباً أي وجداناً، وأنت حر في أن تدرك ما شئت، وأن تجد ما شئت، لكن ليس لك أن تمد يدك لتقطف الوردة لأن الشرع يحرم ذلك. وحارس البستان أيضاً يمنعك من ذلك. هذا على الرغم من أن أحداً لا يمنعك من أن تنظر إلى الوردة وتستمتع بجمالها. فالإدراك - إذن - مباح، والوجدان أمر مباح. أما النزوع فهذا هو الأمر الذي تتدخل فيه الشريعة، ولنا أن نكرر أن الإدراك مباح والوجدان مباح إلا في إدراك جمال الأنوثة، فالشرع يتدخل من البداية. فأنت قد تدرك جمال المرأة فتجد في نفسك حباً وميلاً، فإذا نزعت فكيف يمكنك أن تضبط نفسك؟ فأنت بعد الإدراك والوجدان إما أن تنزع وإما أن تكبت. وإن نزعت انتهكت أعراض الناس، وإن كبت، أصابك القهر والألم لذلك يتدخل الشرع في هذه المسألة من بدايتها فيمنعك تحريماً من أن تدرك، وذلك بأمر واضح وهو غض البصر لأن المسألة الجنسية من الصعب أن تفصلها عن بعضها، فالإدراك يمكن فصله عن الوجدان، والنزوع يمكن فصله عن الوجدان والإدراك في أمر الوردة.

السابقالتالي
2 3 4