الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ }

ونلحظ الفارق بين أن يخبر الحق رسوله بأمور حدثت من قبل مثل قوله الحق:لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ.. } [المائدة: 78]. وبين الواقع الذي يجري في زمن رسول الله فالخبر الأول هو خبر عن أمر صدر منهم مع من سبق من الرسل، لكن هناك أشياء يا رسول الله أنت تراها بنفسك، وهذا دليل على أن كفرهم لم يكن نزوة وانتهت، لا، بل كفرهم أصبح ملكة فيهم انطبعت عليها نفوسهم، كيف؟ نعلم أن الإسلام حينما جاء واجه معسكرات شتّى، وهذه المعسكرات كانت تفسد حركة الإنسان في الحياة، والحق سبحانه وتعالى خلق الكون مسخّراً للإنسان ويريد أن يظل الإنسان حارساً لصلاح الكون أو أن يزيد صلاح الكون وألا يسمح بتسرب الفاسد إلى الصالح. إن هذا هو مراد الحق من وجود منهج للإنسان. وهدف المنهج أن يحمي حركة الحياة كلها من الفساد وأن يزيد صلاحية الكون، فعملنا في الكون دائماً لصالحنا ولا يوجد عمل يفعله مخلوق يأتي للحق سبحانه وتعالى بصفة زائدة على كمالاته - سبحانه - لأن الحق له كمال الصفات، وهو الذي خلقنا وأوجدنا وأمدنا، وتكليفنا منه لم يزده سبحانه شيئا، فهو - سبحانه - مستغن بذاته عن جميع خلقه. جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذن - ليحارب معسكرات هي معسكر أهل الشرك في مكة، ومعسكر أهل الكتاب، وكان المفترض في أهل الكتاب أن لهم صلة بالسماء ولهم إلف بمناهج الرسل. وبمعجزات الرسل وعندهم البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم، ومعكسر المنافقين الذين ظهروا بعد أن قويت شوكة الإسلام، فأعلنوا الدخول في الإسلام وهم لم يؤمنوا بل أضمروا الكفر. وعندما نتوقف عند معكسر أهل الكتاب، كان من الطبيعي أن ينتظر منهم رسول الله أن يؤمنوا لأنه جاء بالمنهج الذي يقوي من صلة السماء بالأرض، لو كانوا صادقين وحريصين على تلك الصلة. وخصوصاً أنهم كثيراً ما تباهوا بمقدم النبي قبل أن تأتي الرسالة. وكانوا يقولون للأوس والخزرج: لقد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا، يأتي سنتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم. وفي ذلك جاء قول الحق:وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [البقرة: 89]. وقالت لهم كتبهم: إن النبي إنما يأتي في أرض ذات نخيل، وهذا ينطبق على مكان مبعثه صلى الله عليه وسلم. إذن فقد عرفوا المكان، وعرفوا الصفات، وعرفوا الجبهات التي سيحارب فيها لأنه سبق لأنبيائهم أن حاربوا فيها. وعندما جاء محمد رسولاً من عند الله اهتزت سلطتهم الزمنية، وأرادوا أن يستبقوها بتحريفهم منهج السماء.

السابقالتالي
2