الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

ونعلم أن حراسة منهج الله تعطي الإنسان السلامة في حركة الحياة على الأرض. وقد جعل الحق سبحانه في النفس البشرية مناعة ذاتية، فساعة توجد في الإنسان شهوة على أي لون سواء في الجنس أو في المال أو في الجاه. فقد يحاول الوصول إليها بأي طريق، ولا يمنعه من ذلك إلا الضمير الذي يفرض عليه أن يسير في الطريق الصحيح. هذا الضمير هو خميرة الإيمان، وهو الذي يلوم الإنسان إن أقدم على معصية، هذا إن كان من أصحاب الدين. ولنا أن ندقق في هذا القول القرآني لأنه يحمل الوصف الدقيق للنفس البشرية في حالتها المتقلبة، فها هوذا قابيل يتحدث عنه القرآن:فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } [المائدة: 30]. ومن بعد ذلك، قتل قابيل هابيل، ثم هدأت النفس من سعار الغضب وسعار الحقد، وانتقل قابيل إلى ما يقول عنه القرآن:فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [المائدة: 30]. فبعد أن غواه غضبه إلى أن قَتَل أخاه وسلبه الحياة. يبعث الله له غراباً ليريه كيف يواري سوأة أخيه لأنه لم يكن يعرف كيف يواري جثمان أخيه. وانتقل بالندم من مرحلة أنه لم يرع حق أخيه في الحياة فأراد أن يرعى حق مماته، إذن فالنفس البشرية وإن كانت لها شهوات إلا أن لها اعتدالا مزاجيا يتدخل بالندم عندما يرتكب الإنسان إثماً أو معصية. ولذلك تجد كثيراً من الناس تعاني من متاعب لأنهم ارتكبوا معاصي، لكنهم يريدون الاعتراف بها لأي إنسان وأي إنسان يتلقى الاعتراف ليست لديه القدرة على تدارك آثار تلك المتاعب لأنها وقعت وانتهى الأمر. لكن لماذا يريد الإنسان أن يعترف لأخر بمعاصيه؟. إنه اعتراف للتنفيس لأن كل حركة في النفس البشرية ينتج عنها تأثير في النزوع، فعندما يغضبك أحد فأنت تنزع إلى الانتقام، ولهذا يأمرك الشرع حين يغضبك أحد أن تغير من وضعك وقل:حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } [آل عمران: 173]. حتى تصرف الطاقة السعارية عندك، فإن أغضبك أحد وأنت قائم فاقعد، وإن كنت قاعدا فاضطجع، وأن كنت ثابتاً في مكان فلتسر بضع خطوات. والشرع حين يطلب منك أن تتحرك لحظة الغضب فذلك ليزيل من جسدك بعض الطاقة الفائضة الزائدة التي تسبب لك الغليان فتقل حدّة الغضب. ولذلك فالشاعر العربي ينصح كل مستمع للشكوى ألا يرد السماع بل يصغي لصاحب الشكوى لذلك يقول:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة   يواسيك أو يسليك أو يتوجع
وحينما تظهر المشاركة لصاحب الشكوى فأنت تريحه، وتهديه إلى الاطمئنان. وينصح الشاعر صاحب الشكوى أن يضعها عند ذي المروءة لأن ذا المروءة إنما يعطيك أذنه ومشاعره وهو جدير أن تستأمنه على السّر، وكأن الأسرار في خِزانة لن يعرف أحد ما بداخلها، وبمثل هذا الاعتراف يريح الإنسان نفسه، ويصرف انفعاله إلى شيء آخر.

السابقالتالي
2 3