الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ }

هذا القول يدل على أن أهل الكتاب جميعاً في غير حظيرة الإيمان، والحق يوضح لهم: إن فسادهم كان سابقاً على ظهور الإسلام، ولهذا جاء الإسلام ليخرج الناس من فسادكم أنتم. لقد كان لكم منهج من الله ولكنكم حرّفتموه، وإن لكم رسلاً أرسلهم الله إليكم ولكنكم أسأتم إليهم، وطقوساً دينية ابتدعتموها. وجاء الإسلام لا ليهدي الملاحدة فقط، ولكن ليهدي أيضاً الذين أضلهم أرباب أهل الكتاب. وكانوا من بعد الإسلام يحاربون الإسلام بالاستشراق، وكانوا يؤلفون الكتب ليطعنوا الإسلام. لكنهم وجدوا أن الناس تنصرف عنهم لذلك جاءوا بمن يمدح الإسلام ويدس في أثناء المديح ما يفسد به عقيدة المسلمين. إننا نجد بعضاً من المؤلفات تتحدث عن عظمة الإسلام تأتي من الغرب، ولكنهم يحاولون الطعن من باب خفي كأن يقولوا: إن محمداً عبقري نادر في تاريخ البشرية ويبنون كل القول على أساس أن ما جاء به محمد هو من باب العبقرية البشرية، لا من باب الرسالة والنبوة. ونجد مثالاً على ذلك رجلاً أوروبياً يؤلف كتاباً عن مائة عظيم في العالم ويضع محمداً صلى الله عليه وسلم على رأسهم جميعاً. ونقول له: شكراً: ولكن لماذا لم تؤمن أنت برسالة محمد بن عبد الله؟ إن شهادتهم لنا لا تهمنا في كثير أو في قليل. لقد هاجمونا من قبل بشكل علني. ويحاولون الآن الهجوم علينا بشكل مستتر. وهم أخذوا بعضاً من أبناء البلاد الإسلامية ليربوهم في مدارس الغرب وجامعاته من أجل أن يجعلوا من هؤلاء الشباب دعاة لقضاياهم في إفساد المسلمين، ولم ينجحوا إلا مع القليل لذلك نقول لشبابنا: احذروا أن تكونوا المفسدين وتدعوا أنكم المصلحون، فلا تأخذوا المسألة بالطلاء الخارجي ولكن انظروا إلى عمق القضايا، وتذكروا قول الحق:قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [الكهف: 103-104]. علينا أن نرقب كل فساد في الكون، وسنجد أن لأصابع أعداء الإسلام أثراً واضحاً. لقد كان من اجتراء الصهيونية إلى حد الوقاحة أن تقول: ليطمئن شعب الله المختار، فثمانون في المائة من وسائل الإعلام في العالم خاضعة لإرادتنا ولا يمكن أن يُعلم فيها إلا ما نحب أن يُعْلَم. والحق سبحانه وتعالى عندما يقول: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ آمَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [المائدة: 65]. فسبحانه وتعالى بهذه الآية يقدم الفرصة لهؤلاء الناس حتى يدخلوا إلى حظيرة الإيمان ويستغفروا الله عن خطاياهم الماضية وليبدأوا حياة جيدة على نقاء وصفاء بدلاً من التحريف والتضليل. وليعرفوا معرفة حقة قوله تعالى في رسوله:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107]. هذا القول يجب أن يتهافت إليه غير المسلمين مع المسلمين ليأخذوا من ينبوع الرحمة، وفي ذلك تصفية عقدية شاملة تتيح لكل إنسان أن يبدأ طريق إصلاح نفسه.

السابقالتالي
2