الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

فإن سلمنا جدلاً أنكم يا أهل الكتاب تعتبرون كيدكم لنا سيصيبنا بشر. على الرغم من أنكم لا تملكون أن تجازونا بشيء. وها هوذا الحق يخبركم على لسان رسوله بالأكثر شراً من هذا، وهي العقوبة التي يصنعها الله لكم وهو قادر على إنزالها بكم وهي الأكثر ضرراً. وهذا لون - كما قلنا - من مجاراة الخصم. ويعلمنا الله ذلك على لسان رسوله فيقول لخصومه:وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [سبأ: 24]. والرسول على الهدى بالقطع وخصومه على ضلال بالقطع، ولكن رسول الله يسلم الأمر طالباً من خصومه أن يراجعوا أنفسهم ليناقشوا القيم التي يدعو إليها الإسلام. وسيجدون أن قيم الإسلام هي الهدى وأنهم على ضلال. ونعلم أن الهدى والضلال لا يجتمعان، فنحن كمسلمين على هدى، وأنتم على ضلال. ووسيلة التمييز أن يحكم الإنسان عقله في المسألة، وبذلك يرى مَن الذي على هدى ومَن الذي على ضلال، فأنت لا تناقش الخصم في أصل الدعوى، ولكن سلم للخصم جدلاً. والتمييز النهائي هو الفيصل. وسيجد المميز حيثية ضلال الخصم واضحة وضوح حيثية هدى المسلمين.قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } [المائدة: 59]. فإن كنتم تعيبون علينا أو تكرهوننا أو تأخذون إيماننا سُبَّة فهذا أمر لا يُكره الإنسانُ من أجله لأنكم تدعون أنكم مؤمنون بالله. وكذلك لا يمكن أن يُسب الإنسان من أجل الإيمان بما أنزله الله في كتاب لأنكم أيضاً تقولون إنكم مؤمنون بالتوراة. وتقولون إنكم مؤمنون بالأنبياء السابقين على موسى. والخلاف أن عيسى عليه السلام جاء بعد نبيكم فكفرتم به، لكننا آمنا به فنحن منطقيون مع أنفسنا ومع ربنا. والحق يبلغنا: { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }. ونعرف أن صيانة الاحتمال تقتضي ألا يحكم الحق عليهم جميعاً بأنهم فاسقون لأن فيهم بعضاً من الناس تراودهم نفوسهم بالإيمان وبالإسلام لذلك لم يكن الحق أبداً ليعمم الحكم على كل أهل الكتاب بالفسق ليعطي الفرصة لمن يفكر أن يعلن إيمانه. ومن بعد ذلك يأتي الخبر على لسان الرسول بعقابهم: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ } إذن فهناك أمر أكثر ضرراً لكم لأنه ما كان يصح أن تكرهوا إيماننا، والأكثر ضرراً من هذا هو لعنة الله { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ } ويأتي سبحانه بالأوصاف التي فيهم، من لعنة الله وغضبه عليهم وجَعْلِه بعضاً منهم قردة وخنازير. وكيف يأتي الله بمثل هذه الأوصاف كمثوبة؟ إن هذا لون من فتح باب الرجاء والأمل ثم يصدمهم من بعد ذلك تماماً مثل قوله تعالى:فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

السابقالتالي
2 3 4