الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

نجد الحق قال: إنه قد كتب على بني إسرائيل ما جاء بهذه الآية من قانون واضح لأن معنى كلمة " من أجل " هو " بسبب " و " أًجْل " مِن أَجَل شرا عليهم يَأْجُلُه، أي جنى جناية أي من جريرة ذلك. أو من هذه الجناية شرعنا هذا التشريع: { مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً }. إذن فساعة تسمع " من أجل " فاعرف أنها تعني " بسبب ذلك " أو " بوقوع ذلك " أو " بجريرة ذلك " أو " بهذه الجناية كان ذلك ". ولكن هل هذا الكَتْب خاص ببني إسرائيل؟. بعض العلماء قال: إن ابني آدم ليس ابني آدم مباشرة ولكنهما من ذُرّية آدم وهما من بني إسرائيل. ونَردّ: من هو إسرائيل أولاً الذي نُسب إليه أبناء إسرائيل؟. إنه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وإبراهيم يصل إلى نوح بأحد عشر أباً ويصل نوح إلى شيث، وبعد ذلك إلى آدم فهل كانت كل هذه السلسلة لا تعرف كيف تدفن الميت إلى أن جاء بنو إسرائيل؟ طبعاً لا ومادام الحق أوضح أنه سبحانه قد بعث غُراباً يبحث في الأرض ليُرِيَه كيف يُواري سَوْءَة أخيه، فهذا دليل على أن هابيل هو أول إنسان تَمَّ دفنه، ومن غير المقبول - إذن - أن نقول: إن الإنسان لم يعرف كيف يواري جثمان الميّت إلى أن وصلت البشرِّية إلى زمن بني إسرائيل، وأنهم هم الذين علموا البشرية ذلك! ولماذا جاء الحق هنا ببني إسرائيل؟. سبب ذلك أن بني إسرائيل اجترأوا لا على قتل النفس فقط بل اجترأوا على قتل النفس الهادية، وهي النفس التي تحمل رسالة النّبوة، ولذلك كان التخصيص، فقد قتلوا أنبيائهم الذين حملوا لهم المنهج التطبيقي لأن الأنبياء يأتون كنماذج تطبيقية للمناهج حتى يلفِتوا الناس إلى حقيقة تطبيق منهج الله. الأنبياء - إذن - لا يأتون بشرع جديد، ولكنهم يسيرون على شرع من قبلهم. فلماذا قتل بنو إسرائيل بعضاً من الأنبياء؟ لقد تولّدت لدى بني إسرائيل حفيظة ضد هؤلاء الأنبياء. ونعلم أن الإنسان الخيّر حين يصنع الخير ويراه الشرّير الذي لا يقدر على صناعة الخير فتتولد في نفس الشرّير حفيظة وحقد وغضب على فاعل الخير. ففاعل الخير كلما فعل خيراً إنما يلدغ الشرّير، ولذلك يحاول الشرّير أن يُزيح فاعل الخير من أمامه. وكان الأنبياء هم القدوة السلوكية، وقد قال الحق عن بني إسرائيل:فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ } [البقرة: 91] وجاء الحق هنا بـ " من قبل " هذه لحكمة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في عداءٍ مع اليهود، وقد تَهبّ عليهم الخواطر الشرّيرة فيحاولون قتل النّبي.

السابقالتالي
2 3 4 5