الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }

وساعة يتلو الإنسان - أي يقرأ - فهو يتكلم بترتيب ما رآه من صُور ذلك أن الإنسان عندما يرى أمراً أو حادثة فهو يرى المجموع مرة واحدة، أو يرى كل صورة مكّونة للحدث منفصلة عن غيرها. وعندما يتكلم الإنسان فهو يرتّب الكلمات، كلمة من بعد كلمة، وحرفاً من بعد حرف إذن فالمتابعة والتلاوة أمر خاص بالكلام. { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ } والنبأ هو الخبر المهم، فنحن لا نطلق النبأ على مطلق الخبر. ولكن النبأ هو الخبر اللافت للنظر. مثال ذلك قوله الحق:عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [النبأ: 1-2] إذن فكلمة " نبأ " هي الخبر المهم الشديد الذي له وقع وأثر عظيم. { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ } وساعة نسمع قوله الحق: " بالحق " فلنعلم أن ذلك أمر نزل من الحق فلا تغيير فيه ولا تبديل. ولذلك قال سبحانه:وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } [الإسراء: 105] أي أن ما أُنزل من عند الله لم يلتبس بغيره من الكلام، وبالحق الجامع لكل أوامر الخير والنواهي عن الشّر نزل. وعندما يقول سبحانه: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ } فسبحانه يحكي قصة قرآنية تحكي واقعة كونية. ومادام الله هو الذي يقصّ فهو سيأتي بها على النموذج الكامل من الصدق والفائدة. ولذلك يسمّيه سبحانه " القصص الحق ":إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } [آل عمران: 62] ويُسمّيه سبحانه:نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [يوسف: 3] وسبحانه يقول: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ } ونعرف أن آدم هو أول الخلق البشري، وأن ابني آدم هما هابيل وقابيل، كما قال المفسرون. وقد قرّب كل منهما قرباناً. والقُربان هو ما يتقرب به العبد إلى الله، و " قربان " على وزن " فعلان ". فيقال: " كَفَر كُفراناً " و " غَفَر غُفرانا ". وهي صيغة مبالغة في الحدث. وهل قدّم الاثنان قرباناً واحداً أم أن كلا منهما قدّم قرباناً خاصّاً به؟ مادام الحق قد قبل من واحد منهما ولم يتقبّل من الآخر فمعنى ذلك أن كلاًّ منهما قدّم قرباناً منفصلاً عن الآخر لأن الله قبل قربان واحد منهما ولم يتقبل قربان الآخر. و " القربان " مصدر. والمصادر في التثنية وفي الجمع وفي التذكير والتأنيث لا يتغير نطقها أو كتابتها. فنحن نصف الرجل بقولنا: " رجل عدل " وكذلك " امرأة عدل " و " رجلان عدل " و " امرأتان عدل " و " رجال عدل " و " نساء عدل ". إذن فالمصدر يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث.

السابقالتالي
2 3 4