الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

وساعة يقول الحق: " ميثاقاً " فالميثاق يتطلب الوفاء. فهل وفوا بهذا الميثاق؟. لا، لقد نقضوا المواثيق فلعنهم الله. واللعن هو الطرد والإبعاد، والحق في ذلك يقول: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ } أي بسبب نقضهم الميثاق لعنهم الله. لقد أثار وجود " ما " هنا بعض التفسيرات، فهناك من العلماء من قال: إنها زائدة، وهناك آخرون قالوا: إنها " صلة ". ولكن الزيادة تكون عند البشر لا عند الله. ولا يمكن أن يكون بالقرآن شيء زائد لأن كل كلمة في القرآن جاءت لمقتضى حال يحتم أن تكون في هذا الموضع. فها هوذا الحق يخبرنا بما وصى به لقمان ابنه:وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [لقمان: 17] وفي آية أخرى يقول سبحانه:وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [الشورى: 43] في الآية الأولى لم يورد " اللام " لتسبق " مِن " ، وفي الآية الثانية أورد " اللام " لتسبق " مِن " ، وليس ذلك من قبيل التفنن في العبارات، فقوله: { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } دعوة للصبر على مصيبة ليس للإنسان غريم فيها، كالمرض، أو موت أحد الأقارب، وهذه الدعوة للصبر تأتي هنا كعزاء وتسلية، أما قوله الحق: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } فالدعوة للصبر هنا مع الغفران تقتضي وجود غريم يسبب للإنسان كارثة. هنا يطلب الله من المؤمن أن يغفر لمن أصابه وأن يصبر. ومادام هناك غريم فالنفس تكون متعلقة بالانتقام، وهذا موقف يحتاج إلى جرعة تأكيدية أكثر من الأولى فليس في الموقف الأول غريم واضح يُطلب منه الانتقام، أما وجود غريم فهو يحرك في النفس شهوة الانتقام، ولذلك يؤكدها الحق سبحانه وتعالى: { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }. ويقول سبحانه في موقع آخر:مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ } [المائدة: 19] وعندما يقوم النحاة بإعراب " بشير " فهم يقولون: " إنها فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخرة منع من ظهورها حركة حرف الجر الزائد. إنه التفاف طويل، ولا يوجد حرف زائد، فالإنسان يقول: ما عندي مال. وهذا القائل قد يقصد أنه لا يملك إلا القليل من المال لا يعتد به. وعندما يقول الإنسان " ما عندي من مال " فـ " من " هنا تعني أنه لا يملك أي مالٍ من بداية ما يقال له مال. ولذلك فـ " مِن " هنا ليست زائدة، ولكنها جاءت تعني لمعنى. إذن " ما جاءنا من بشير " أي لم يأت لنا بداية من يقال له بشير. وها هوذا قول الحق:فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [آل عمران: 159] وقد يحسب البعض أن " ما " هنا حرف زائد، ولكنا نقول: ما الأصل في الاشتقاق؟.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7