الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

نعرف أن هناك صدقاً ينفع يوم القيامة وهو الصدق الموصول بصدق الدنيا. وهناك صدق لا ينفع يوم القيامة ومثال ذلك قول إبليس اللعين كما يحكي القرآن الكريم:إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } [إبراهيم: 22]. مثل هذا الصدق لا ينفع أحداً لأن الآخرة ليست دار التكليف. لكن الصدق الموصول بصدق الدنيا هو قول عيسى عليه السلام:إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } [المائدة: 116]. ولذلك يقول الله في الصدق الموصول: { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ }. ذلك أن صدق الصادقين يوم القيامة هو صدق موصول بصدقهم في زمن التكليف وهو الدنيا ويتلقون رضاء الله: { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } وإن تساءل إنسان: كيف يرضى العبد عن ربه؟. نقول: إن العباد المؤمنين عندما يعاينون الجزاء المعد لهم في الآخرة يمتلئون بالحبور ويقولون:ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } [الزمر: 74]. هذه الآية التي تتحدث عن يوم ينفع الصادقين صدقهم بقوله: { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } كأن هناك فوزاً سطحياً، وفوزاً عظيماً، والفوز السطحي: هو ما يعطيه الإنسان لنفسه في دار التكليف من متعة قصيرة العمر والأجل فيبدو ظاهرياً وكأنه قد فاز، وفي الحقيقة ليس هو الفوز العظيم لأن الندم سيعقبه، وأي لذة يعقبها الندم ليست فوزاً لأن الدنيا بكل ما فيها من نعيم هو نعيم على قدر إمكانات الإنسان وتصوره، وهو نعيم مهدد بشيئين أن يزول النعيم عن الإنسان، وكثيراً ما رأينا منعمين زال عنهم النعيم، أو أن يترك الإنسان هذا النعيم بالموت، ونرى ذلك كثيراً. أما النعيم الذي هو الفوز العظيم فهو النعيم الموصول الذي لا يمنعه أحد، ولا يقطعه شيء. ويختم الحق سبحانه سورة المائدة بقوله: { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ... }.