الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

لقد عرض سيدنا عيسى عليه السلام - من خلال قوله لربه تبارك وتعالى - المنهج الذي جاء به على الناس جميعاً وبلغه تمام البلاغ، فقد أبلغ أنه عبد لله وأنه رسوله، ومادام الحق علاّم الغيوب فهو أعلم بكل شيء حتى بما في النفس، كأنه يثبت أيضاً أن نفسه لم تحدثه بأي خاطر من تلك الخواطر. ويعلن أنه لم يبلغ إلا ما أمر به الله. { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [المائدة: 117]. والشهيد هو الرائي الذي لا عمل له في تحريك المشهود إلى غير ما شهده. ويقول عيسى ابن مريم عليه السلام: { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } وأمر توفيه الحق لرسالة عيسى ورفعه إليه، قد ذكرناه من قبل في خواطرنا ولكن أضيف الآن بعضاً من اللمحات لأني أرى أنّ من حق كل قارئ أو متلقٍ لهذه الخواطر أن يجد الخلاصة الملائمة التي تغنيه عن الرجوع إلى ما سبق من قول في هذا الأمر، وذلك حتى تتصل المعاني في ذهن القارئ. لقد كان لميلاد عيسى عليه السلام ضجة، وكذلك كان لمسألة توفِّي الله له ضجة. ولقد شبه الله لقتلة عيسى أنهم قتلوه، فعندما أرادوا أن يقتلوه دخل خوخة، والخوخة هي باب في باب، وهذا نظام البيوت القديمة حيث يوجد باب كبير لإدخال الأشياء الكبيرة وفي هذا الباب الكبير يوجد باب صغير يسمح بمرور الأفراد. وفي سقف هذا البيت فتحة. وعندما دخل رجل يدعى " تطيانوس " طالباً لعيسى عليه السلام نظر عيسى لأعلى ووجد شيئاً قد رفعه، واستبطأ القوم تطيانوس وخرج عليهم من بعد ذلك، فتساءلوا: إن كان هذا تطيانوس فأين عيسى؟ وإن كان هذا عيسى فأين تطيانوس؟ إذن فقد اختلط عليهم الشبه بعد أن ألقى الله شبه عيسى على تطيانوس. أو أن عيسى حينما دخلوا عليه كان معه الحواريون وقال عيسى للحواريين: أيكم يُلقى شبهي عليه وله الجنة؟. وكان كل حواري يعلم أنه لا رسالة له مثل عيسى عليه السلام. فماذا إذن يريد الحواري لنفسه أكثر من الجنة؟. وتقدم " سرخس " فألقي عليه شبه المسيح عليه السلام وقتل اليهود سرخس. أو أن الذين ذهبوا لقتل عيسى وعرفوا أنه رفع فخافوا أن تنتشر حكاية رفع عيسى بين الناس فيؤمنوا به، ولهذا جاء القتلة بشخص وقتلوه، أو أن القتيل هو واحد ممن باعوا عيسى لليهود وتيقظت في نفسه ملكة التوبة فقدم نفسه بدلاً وفداءً للرسول. ومسألة التوفي - كما نعلم - هي الأخذ كاملاً دون نقض للبنية بالقتل، ونحن - المسلمين - نعرف أن الحق رفع محمداً صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج إلى السماوات وعاد إلينا مرة أخرة ليكمل رسالته لذلك نصدق أمر رفع عيسى وأن الله توفاه، أي استرده كاملاً دون نقض للبنية، وأنه سيعود مرة أخرى ليصلي خلف مؤمن بالله وبمحمد رسول الله.

السابقالتالي
2 3