الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

ونعرف أن هذا هو الحوار الذي سوف يدور بين الحق وبين عيسى ابن مريم عليه السلام يوم يجمع الحق سبحانه وتعالى الرسل:يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [المائدة: 109]. وقد يقول قائل: ولماذا جاء الحق سبحانه وتعالى بهذا الحوار في صيغة الفعل الماضي؟: { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [المائدة: 116]. وكلنا يعرف أن لكل حدث زمناً ومكاناً. وزمان الحدث هو يوم القيامة. ومكان هذا الحدث في ساحة المشهد والحشر، وسبحانه هو خالق كل زمن وكل مكان، وله أن يتحدث عن أي أمر بأي صيغة شاء، سواء أكانت صيغة الماضي أم الحاضر أم المستقبل، فقد أوجد كل شيء من ماضٍ وحاضرٍ ومستقبل، وبيده أمر كل ما خلق ومن خلق. وهو أزلي قيوم، أما نحن بنو الإنسان فأمر الزمن يختلف، الزمن بالنسبة لأفعالنا هو واحد من ثلاثة ماضٍ: أي أن يكون الحدث قد وقع قبل أن أتكلم مثل قولي " قابلني زيد " ، ومعنى ذلك أن الفعل قد تم وصار محققاً. وحاضر: أي أن يكون الحدث في حالة وقوعه، أي يحصل الآن مثل قولي: " يقابلني زيد " وأنت تقصد الحال أي أنه يقابلني الآن. إن معنى ذلك أن العين ترى زيداً وليس مع العين أين. ومستقبل: أي أن يكون الحادث سوف يقع كقولي: " سيقابلني زيد ". وهنا لا يملك الإنسان نفسه أن يحدث منه الحدث، ولا يملك ألا يقع على الإنسان الذي سوف يقابله أمرٌ قد يمنعه من إتمام الحدث، ولا يملك الإنسان أن يظل السبب للمقابلة قائماً. إذن فمع المستقبل لا يصح للإنسان أن يحكم بشيء، لأنه لا يملك أي عنصر من عناصر الحدث. والذي يملك هذا هو الحق سبحانه وتعالى وحده. ولذلك يعلمنا القرآن شرف الصدق في الكلمة بقوله تعالى:وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [الكهف: 23-24]. وعلى الإنسان أن يحترم قدرته المحدودة، وان يتذكر دائماً قدرة الحق سبحانه وتعالى عليه. وهذا لا يعني أن الحق سبحانه يمنعنا من التخطيط للمستقبل، لا، بل يطلب منا أن نخطط وأن ندرس كل الاحتمالات، وعلينا أن نقول: " إن شاء الله " لأننا بذلك نقدم مشيئة من يملك كل أمر وهو الله - سبحانه وتعالى -. وقد حاول بعض المستشرقين من أعداء الإسلام أن ينفذوا بسمومهم إلى عقول المسلمين بالتساؤل عن عدم ترتيب الأفعال على نسق حدوثها في بعض من آيات القرآن، فقال قائل منهم: كيف يقول الحق - سبحانه -:

السابقالتالي
2 3 4