الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

لماذا إذن يجمع الله كل الرسل ويسألهم سؤالاً على الإجمال، ثم لماذا يأتي بعيسى ابن مريم ليسأله سؤالاً خاصاً عن حادثة مخصوصة؟ أراد الحق بذلك أن يعلمنا أنه سيسأل الرسل سؤالاً يوضح لنا أدب الرسل مع الحق، ويبين لنا تقريع الحق لمن كفروا بالمنهج، أما سؤاله سبحانه وتعالى لعيسى ابن مريم، ذلك السؤال الخاص عن الحادثة المخصوصة، فمرد ذلك إلى أن بعض الذين آمنوا به قد وضعوه في موضع الألوهية أو بنوّة الألوهية، وفي ذلك تعدٍ على التنزيه المطلق للحق سبحانه وتعالى. ونعلم أن قصارى ما صنعت الأمم السابقة أن بعضهم كفر بالرسل، وبعضهم كذب الرسل، لكن لم يدع أحد من هذه الأمم أن الرسول الذي جاء هو إله، لم يقل ذلك أحد وإن كان بعض فرق اليهود قد قالوا: إن عزيرا هو ابن الله وهذه الفرقة قد انقرضت ولم يبق يهودي يقول ذلك، وسبحانه قد جعل الشرك به قمة الكفر الذي لا غفران له. [من الآية 48 سورة النساء]. فكأن عيسى عليه السلام سيواجه السؤال ضمن الرسل، ثم يسأله الحق سؤالاً خاصاً به. ويقدم الحق السؤال لعيسى ابن مريم بعد أن ذكَّره بعدد من النعم التي أنعم بها سبحانه وتعالى عليه وعلى أمه مريم عليه وعليها السلام: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [المائدة: 110]. ونجد هنا أن الحق سبحانه وتعالى يعدد بعضاً من نعمه على سيدنا عيسى وهي: التأييد بروح القدس وهو سيدنا جبريل عليه السلام، والكلام في المهد بما يبرئ أم عيسى السيدة مريم عليها السلام مما ألصقوه بها من اتهامات، وتعليم الحق له الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل. وأنه سبحانه قد أقدره على أن يصنع من الطين كصورة الطير بإذن منه سبحانه وأن ينفخ فيه فيصير طيراً بإذنه سبحانه، وكذلك أقدره الحق سبحانه أن يبرئ الأعمى من العمى. وأن يعيد إلى الأبرص لون جلده الطبيعي ويشفيه، وأجرى على يديه تجربة إعادة الموتى إلى الحياة بإذن منه سبحانه، وكذلك منع الحق عن عيسى ابن مريم كيد اليهود وكف أيدي الذين أرادوا صلبه وقتله على الرغم من أنه جاء لهم بالمعجزات السابقة حتى يؤمنوا فآمن بعض منهم وكفر الذي قال: عن تلك المعجزات: إنها مجرد سحر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8