الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

بل على الإنسان أن يلتفت إلى أن أول تغيير لمنهج الله كان من أحد الآباء الذين أصابتهم الغفلة. وقول الإنسان: إنما أتبع ما كان عليه آبائي، هو قضية منقوضة لأن الذي غيّر أول تغيير لم يقل: { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } لأنه لم يقلد أباً له، وأيضاً فمن المحتمل أن الآباء لم يعقلوا ما غيروه من منهج الله ولم يهتدوا إلى الحق. وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول تبارك وتعالى:وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [البقرة: 170]. إن الآية التي نحن بصدد خواطرنا الإيمانية عنها: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ } لم يقل الله فيها اتبعوا ولكن قال: تعالوا أي ارتفعوا كأنهم انحطوا وتسفَّلوا بقولهم: { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } إنهم بذلك يرفضون وينكرون كل ما يأتي إليهم من غير طريق تقليد الآباء، فقد قفلوا الطريق وسدوه على أنفسهم. أما آية سورة البقرة: { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } فيحتمل أن يقولوا: ونتبع كذلك ما جاء به الدين، فالنكير أشد على من قال: { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ }. وعلى هذا فالاستدراك من الله في كل آية من الآيتين جاء مناسبا لحالهم. كيف ذلك؟ لأن الذي لا يعقل يمكن أن يعلم عن طريق شخص آخر استخرج واستنبط واكتشف، فإنه إن فاته التعقل لم يفته أن يأخذ العلم من غيره، أما الذي لا يعلم فقد باء ورجع بالجهل لأنه لم يصل إلى العلم بنفسه، وكذلك لم يتعلم من غيره. وجاء - سبحانه وتعالى - بهمزة الإنكار لمسألة اتباع الآباء دون منهج الله. ونلحظ أن الحق جاء بعملية الهداية كأمر مشترك في الآيتين، ذلك أن الهداية من السماء، أما التعقل والعلم فهما عمليتان إنسانيتان. ويقول الحق من بعد ذلك: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ... }.