الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

تلاحظ أن النداءات السابقة كانت بيأيها الذين آمنوا، لأنها توجيهات وتشريعات خاصة بالذين آمنوا، لأن الله تعالى لا يُكلِّف إلا مَنْ آمن به. أما النداء هنا فنداء عام للناس جميعاً يلفت أنظارنا إلى آية الخَلْق، وإلى عظمة الخالق سبحانه، وهذا الآية تشمل الجميع، فالخالق سبحانه خلق المؤمن والكافر، والذكر والأنثى، هما أصل هذا الخَلْق، فالذكر وحده لا يتناسل، وكذلك الأثنى وحدها. أما قوله تعالى في سورة السجدة:ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [السجدة: 7-8] فهذا خاص بالخلق الأول، وهو آدم عليه السلام، حيث خلقه الله وصوَّره بيديه، وكل شيء في الكون مقدور بقول: كُنْ فيكون. لذلك قال تعالى لإبليس:مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ.. } [ص: 75] يعني: كيف لا تسجد لشيء أنا خلقته بيدي، إذن: أنت لا تسجد لآدم إنما تسجد طاعة لمن أمرك بالسجود. وبعد أن خلق آدم من طين جعل ذريته من بعدهمِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [السجدة: 8] وهذا يقتضي الزوجية بين الذكر والأنثى. وفي سورة النساء قال سبحانه:يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ.. } [النساء: 1] أي آدم عليه السلاموَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا.. } [النساء: 1] يعني: حواء. إذن: حينما يقول سبحانه: { مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ.. } [الحجرات: 13] لا يعني بداية الخلق، إنما النسل الذي جاء بعد الخلق الأول. لذلك قال في آخر آية النساء:وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً.. } [النساء: 1] وهؤلاء الرجال والنساء تفرقوا في أنحاء الأرض وصاروا { شُعُوباً وَقَبَآئِلَ.. } [الحجرات: 13] فالعرب شعب، والروم شعب، والفرس شعب، ثم انقسمتْ الشعوب إلى قبائل، والقبائل إلى بطون، والبطون إلى أفخاذ وهكذا. وفي داخل الأسرة الواحدة تختلف الأسماء، لأننا لا نترك الأشخاص بدون أسماء ليتم التعارف، فهذا محمد وهذا أحمد وهذه فاطمة.. والحكمة من ذلك هي { لِتَعَارَفُوۤاْ.. } [الحجرات: 13] على مستوى الأفراد وعلى مستوى الشعوب. والتعارف أمر ضروري بين البشر، لأن مصالحهم في أنْ يتعارفوا، وسوف تضطرهم ظروف الحياة لهذا التعارف، حيث سيحتاج بعضهم إلى بعض، لأنه كما قلنا: الحق سبحانه وزَّع أسباب فضله على خَلْقه، فما توفر لك قد لا يتوفر لغيرك. لذلك رأينا مثلاً أوربا التي بلغت من الحضارة والتقدم مبلغاً تحتاج إلى سكان الصحراء رعاة الغنم والإبل حيث البترول وثروات الجبال من المعادن والأحجار الكريمة. وهذا الاختلاف في الفضائل يؤدي إلى أنْ يتعاون الخَلْق ويتساندوا، بحيث يكمل بعضهم نقص بعض. إذن: اختلاف يؤدي إلى التكامل لا إلى التعاند. وهذا التكامل شاهدناه في آية خَلْق الرجل والمرأة، فالرجل والمرأة ليسا ضدين، بل هما عنصران متكاملان، لأن لكل منهما مهمة لا يؤديها الآخر.

السابقالتالي
2 3