الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

{ مُّحَمَّدٌ } اسمه صلى الله عليه وسلم { رَّسُولُ ٱللَّهِ.. } [الفتح: 29] وصفه الجديد، لأننا عرفنا محمداً أولاً قبل أنْ يكون رسول الله، ومحمد من الحمد يعني أن الناس تحمده وقد حمده قومه منذ صِغَره، وقالوا: الصادق الأمين. فقد كانت سيرته وماضيه بينهم يدلّ على هذه الصفات، وعلى أنه شخص مميَّز بين أقرانه وأنه غير عادي. وقد أجمعوا على ذلك حتى قبل الرسالة، وكانوا يرون في طفولته أنه لم يُصَبْ بشيء من لوثة الطفولة ولهوها ولعبها، رأوا أنه كان يرعى الغنم وكان مثله من الفتيان الذين يرعون الغنم في البادية ينزلون بالليل إلى مكة يحضرون سهرات اللهو. أما هو فقد فكر مرة في أنْ ينزل معهم، فلما ذهب معهم إلى هناك أخذه النوم، فلم يستيقظ إلا بعد أنْ انفضَّ السامر. فكأن الله عصمه ونزَّه سمعه وبصره أنْ يسمع أو يرى شيئاً من هذا، أما رفاقه فقد تعجَّبوا لأنهم لم يروْه بينهم، لذلك أصبح مأموناً عندهم، ولما لم يُجرِّبوا عليه كذباً قط أصبح جديراً بأنْ يقولوا عنه: الصادق الأمين. وفي يوم من الأيام اجتمع الصبيان لحمل حجر ثقيل يلعبون به، فلما ثَقُلَ عليهم شمَّروا ثيابهم حتى لايؤثر الحجر في أكتافهم، وكان معهم رسول الله فأمسك بثوبه، وأراد أن يفعل مثلهم، فسمع صوتاً يقول له: عورتك يا محمد، فكان هو الوحيد الذي لم يكشف عن عورته. وقد لاحظوا عليه ذلك قبل سنِّ التمييز، فأخذوا عنه فكرة أنه مُهيأ من ناحية أخرى، ثم عرفوا سداد رأيه وحُسْن تفكيره في مسألة وضع الحجر الأسود في مكانه، حينما اختلفتْ قبائل قريش مَنْ ينال شرف وضع الحجر في مكانه حتى كادوا أنْ يتقاتلوا، ثم قالوا: نُحكِّم أول داخل علينا. فكان محمد الصادق الأمين الذي لا يختلف على أمانته اثنان، فأخذ رداءه ووضع عليه الحجر، وأمر كل قبيلة أنْ تأخذ بطرف منه، حتى إذا ما وصلوا به إلى موضعه من الكعبة حمله ووضعه في مكانه، وهكذا انتهى الخلاف الذي أثار حفيظة القوم. فقوله تعالى: { مُّحَمَّدٌ.. } [الفتح: 29] أي: هذا الذي تعرفونه وتعرفون صِدْقه وأمانته وكرم أخلاقه، هذا الذي لبث بين ظهرانيكم أربعينَ سنة هو رسول الله الذي اختاره الله للرسالة. إذن: أنتم شهدتم له قبل أنْ أرسله إليكم، وما دام قد شهدتم له بالخُلق الجميل وسداد الرأي فواجبٌ عليكم أنْ تُصدقوه. والحق سبحانه وتعالى لم يصف محمداً في ذاته إنما صفَّى أصوله، وزكَّاهم بأنْ عصمهم من السجود للأصنام، وهي عبادة كانت شائعة في هذا الوقت، وقد أجمعوا على أن أجداده لم يسجد أحدٌ منهم لصنم. لذلك جاء في الحديث الشريف:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8