الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً }

سبق في سورة محمد أنْ بيَّنا معنى الذنب في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم وقلنا: إنه من باب: حسنات الأبرار سيئات المقربين، لذلك عدّ النسيان في حقه ذنباً لأنه نبي موصول بالوحي، مؤتمن على منهج الله، فلا يُتصوَّر منه النسيان الذي يحدث من باقي أمته. لذلك تجاوز الله لهم عن النسيان في حين لم يتجاوز عنه لرسول الله، ومثّلنا لذلك بنسيان سيدنا آدموَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115] وسمّي هذا النسيان معصية. فالمغفرة لرسول الله من هذه الأمور أمثال عتاب الله له:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ.. } [التحريم: 1] وقوله:قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33] وقوله:فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف: 6]. فالله يعاتب رسوله شفقة عليه ورحمة به صلى الله عليه وسلم، وكأنه يقول له: يا محمد لا تحزن ولا تُحمِّل نفسك فوق طاقتها، لأن لك رصيداً من الله فالاستغفار من مثل هذه الأمور، لا أنه أذنب ذنباً فيه مخالفة للمنهج حاشاه صلى الله عليه وسلم أنْ يكون منه ذلك. وكلمة { لِّيَغْفِرَ.. } [الفتح: 2] من غفر والغفر هو الستر، وسَتْر الذنب إما أنْ يكون بعده بمنع العقوبة عليه أو يستر الذنب قبل أنْ يحدث فلا يحدث أصلاً، هذا معنى { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ.. } [الفتح: 2] ما تقدم يستر عقوبته، وما تأخر يستر الذنب نفسه فلا يقع. { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ.. } [الفتح: 2] تمام النعمة على رسول الله أنْ بعثه الله للناس كافة لكل زمان ولكل مكان، وكان الرسلُ قبله يُبعث الرسولُ إلى قوم معينين في زمن معين، أما سيدنا رسول الله فقد جاء على موعد مع التقاء حضارات الدنيا كلها واتصال بين المشرق والمغرب، فجاء رسولاً عاماً وخاتماً للرسالات، لذلك نقول: سيد الرسل وخاتم الأنبياء. ومن تمام النعمة أن الله فتح له، وأزال من أمامه العقبات التي كانت تعرقل مسيرة الدعوة حتى دانتْ له الجزيرة العربية كلها وشملها الإسلام، وعلى يديه هدى اللهُ هذه الأمة فحملت رسالته من بعده وساحت بها في شتى بقاع المعمورة. فجذب إليه أعظم حضارتين في هذا الوقت، هما: حضارة فارس في الشرق، وحضارة الروم في الغرب، حتى إنهم ليقولون: من عجائب هذا الدين أنه فتح نصف الكرة الأرضية في نصف قرن من الزمان، وهذه لم تحدث من قبل. والحق سبحانه يشرح لنا مسألة تمام النعمة هذه في قوله تعالى:ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً.. }

السابقالتالي
2