الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }

الحق سبحانه وتعالى هنا يتكلم بصيغة الجمع إنَّا الدال على العظمة، ذلك لأن الله تعالى يزاول مُلكَه لا بصفة واحدة، إنما بصفات متعددة وكمالات شتى، في القدرة والعلم والحكمة وغيرها من صفاته سبحانه. لكن حينما يتكلم عن ذاته سبحانه يتكلم بصيغة المفرد الواحد، فيقول مثلاً:إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ.. } [طه: 14] ليثبت لنفسه تعالى الوحدانية، فإنْ تكلم عن فعل من أفعاله قال:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]. ونلاحظ هنا أنه سبحانه أكد ضمير المتكلم إنَّا بقوله نحن ثم كرر الضمير في نزلنا وفيوَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] ذلك ليؤكد أهمية المنهج الذي جاء به القرآن، وأنه منهج سماوي من عنده سبحانه، وأنه مُعجز للخلق، وفي هذا بيان لفضل القرآن الكريم. ومادة فتح تأتي بمعانٍ متعددة، نقول، فتح الباب. وهذا المعنى يدل على فتح المغاليق ويكون في الأمر الحسي، كما في قوله تعالى في قصة سيدنا يوسف عليه السلام:وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ.. } [يوسف: 65]. وهناك فتح معنوي في الأمر الذي يأتي بالخير كما في قوله تعالى في المنافقين:أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ.. } [البقرة: 76] أي: ما أعطاكم في التوراة من صفات النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة في التوراة. وهناك فتح بمعنى: حكم وفصل كما في قوله تعالى:رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [الأعراف: 89]. ومن معاني الفتح: النصر كما في الآية التي معنا، بدليل قوله تعالى بعدها:وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } [الفتح: 3] لأن الدعوة حين قامت، وعارضها كفار مكة وصَمُّوا آذانهم عنها وعاندوها استهزاءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وإيلاماً له ولمَنْ آمن بدعوته. كان الحال كأن الباب مغلق في وجه الدعوة، فقال الله له { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [الفتح: 1] أي: فتح ظاهر واضح، فتح لباب انتشار الدعوة وقوتها بحيث يكون لها قوة وشوكة ومنعة، فبعد أنْ كانت قريش تحاصرها لتقضي عليها فتح لها الباب فجابت الجزيرة العربية كلها، وبعد أنْ كانت قريش تضيق على الدعوة الخناق أصبح العربُ كلهم يحتضنونها ويدافعون عنها. وفي آية أخرى شرح لنا مسألة الفتح هذه، فقال سبحانه:أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ.. } [الرعد: 41] يحكم بنصرة الإسلام وانتشاره في بقاع الأرض، وإذا حكم الله وقضى فلا رادَّ لقضائه، ولا مُعقبَ لحكمهمَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا.. } [فاطر: 2] وما دام أن الله فتح فلا يضرك أنْ يغلق البشر. الفعل فتح يتعدى بنفسه في الفتح الحسيِّ نقول: فتح الباب ويتعدى باللام كما في { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ.

السابقالتالي
2