الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

قوله تعالى: { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ.. } [محمد: 38] ها أداة تنبيه لجذب الانتباه، وأنتم ضمير للخطاب، وهؤلاء إشارة لهذا المخاطب أنتم، فالمخاطب هو عَيْن المشار إليه، إذن: جمعتْ الآية بين أدوات ثلاثة لتأكيد التنبيه ولمزيد الاهتمام. جاء بـ هاء التنبيه لأن المتكلم حر يتكلم في الوقت الذي يريده فهو يملك زمام الأمر، أما المخاطب فلا يملك ذلك ولا يدري متى تتكلم ليسمع، لذلك نأتي بأداة التنبيه ليستعد ولا يفوته شيء من الكلام. فالحق سبحانه وتعالى يخاطبهم بكل هذه الأدوات ليؤكد نداءه لهم ودعوته لهم لينفقوا { تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ.. } [محمد: 38] مَنْ الذي يدعو؟ الله يدعوهم لينفقوا. تأمل هنا كيف أن الحق سبحانه يحترم ويُقدِّر مجهودات البشر؟ فرغم أنه هو سبحانه الخالق الرازق مُسبِّب الأسباب منحك القوة التي تعمل بها، والعقل الذي تفكر به، والمادة التي تستعملها، ومع ذلك احترم دورك في أنْ تُوجِّه الطاقة المخلوقة لله في شيء نافع مفيد وقال لك: أنفق كأن المالَ مالك وهو يقترضه منك قرضاً حسناً. كما أنك تعطي ابنك مصروفه اليومي فيدخره مثلاً في حصالة، ثم يطرأ عليك ظروف تحتاج فيها ما في حصالة الولد. فتقول له: أعطني ما في الحصالة سلف وسوف أرده إليك لما أقبض. يقول تعالى:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ.. } [البقرة: 245] فالحق سبحانه حرَّم الربا في التعامل بين البشر، لكن أحله لنفسه تعالى حين يقترض منهم، وهذا فضل وتكرُّم من الله على الخَلْق في الأولى وفي الآخرة. وقوله: { لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ.. } [محمد: 38] في كل الوجوه التي يحبها الله في الإنفاق من خَلْقه لخلقه، وهو سبحانه قادر أنْ يغني الجميع فلا يحتاج أحد لأحد، إنما أراد سبحانه أنْ تتواصل القلوب وتتشابك المصالح ويترابط الخَلْق بمشاعر الإيمان، حيث يعطف الغني على الفقير، ولا يحقد الفقير على الغني، وحيث يرحم القوي الضعيف. لكن لما دعاهم الله للإنفاق كان منهم قسم يبخل { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ.. } [محمد: 38] وهؤلاء هم الذين لا يفهمون فلسفة التجارة مع الله ولا عاقبة الإنفاق، لا يعرفون أن النفقة بهذا الشكل تزيد المال ولا تنقصه، واقرأ:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [البقرة: 245]. الإنفاق في سبيل الله مثل رجل حصد القمح وأدخل المخزن عنده عشرة أرادب مثلاً عندما يأخذ أردباً منها ليزرع به الأرض من جديد، هل يقول أن القمح نقص أردباً؟ لا لأنه سيأخذه مضاعفاً. إذن: لا تنظر إلى ما يخرج لكن انظر أيضاً إلى ما سيأتي لتكتمل الصورة ويكون الحساب صحيحاً، حتى الربا في تعاملات الناس يعطيك بزياة خمسة أو عشرة في المائة.

السابقالتالي
2 3 4 5