الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ }

إذن هؤلاء لم يكتفوا بأنْ كفروا في أنفسهم، بل تعدَّوْا ذلك { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ.. } [محمد: 32] منعوا الناس أنْ يؤمنوا بالله ووقفوا في وجه الدعوة وحاربوها. ثم { وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ.. } [محمد: 32] يعني: خالفوه وعادوه، بحيث كانوا في شق وهو في شق { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ.. } [محمد: 32] أي: الحق الواضح. والنتيجة { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً.. } [محمد: 32]. فهذه كلها محاولات فاشلة لن تغني عنهم شيئاً، ولن تؤثر في مسيرة الدعوة، لماذا؟ لأن الحق سبحانه ما كان ليبعث رسولاً إلى الخلق ثم يُسلمه إليهم ليقتلوه، هذه سنة من سنن الله في الكون لم يقتل رسول. نعم أخبرنا الحق سبحانه عن بني إسرائيل أنهم كانوا يقتلون الأنبياء، ولم يُقلْ الرسل:قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [البقرة: 91] وتأمل هنا كلمة { مِن قَبْلُ } فليس لأحد من اليهود أو حتى من المسلمين أنْ يقول أنه من الممكن أن اليهود يقتلون رسول الله كما قتلوا أنبياءهم، لأن هذا القتل كان قبل محمد. إذن: اطمئنوا لن ينالوا من رسول الله شيئاً، فهذه الآية أحدثتْ اطمئناناً عند المسلمين ويأساً عند الكافرين من هذه المسألة، وهم بالفعل قد حاولوا لكن هيهات لهم ذلك. ثم إن كفره في نفسه له جزاء، وصده لغيره عن الإيمان له جزاء آخر، لأنه ضَلَّ وأضل، ونفهم من كلمة { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ.. } [محمد: 32] أن سبيل الله طريقٌ معتدل مستقيم يجذب الناس إليه بالمنطق المعتدل، وبحلو الكلام، وبالأسلوب الجميل الشيق الذي تلين له القلوب رغم غلظتها. فطبيعي من الكافرين أنْ يقفوا على هذه الطريق يمنعون الناس عن الإيمان وعن سماع القرآن، لذلك حكى القرآن عنهم قولهم:وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [فصلت: 26] فهم على يقين من أن سماع القرآن سيؤثر فيهم ويعطف قلوبهم إليه. ولم يكتفوا بعدم السماع، إنماوَٱلْغَوْاْ فِيهِ.. } [فصلت: 26] شوِّشوا عليه حتى لا يصل إلى أسماع الآخرين، ذلك لأنهم أهل لغة وأهل فصاحة يتذوّقون الألفاظ والأساليب وينفعلون لها. وقوله تعالى: { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 32] يعني: يبطلها ويجعلها غير ذات جدوى، ومعنى أعمالهم أي: أعمالهم في الصدِّ عن سبيل الله، أو أعمالهم الخيّرة التي فعلوها في الدنيا، ومن أعمالهم أنهم كانوا ينفقون الأموال ليصدُّوا الناسَ بها عن الحق. وفي هذا يقول الله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ.. } [الأنفال: 36]. فقد أنفقوا أموالهم دون فائدة أخذها الناسُ منهم وضحكوا عليهم، كما يحدث عندنا مثلاً في الانتخابات، يشترون الأصوات بالأموال، فيأخذ الناسُ الأموالَ ولا يعطونم أصواتهم لأنهم لا يستحقونها.

السابقالتالي
2