الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } * { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ }

هذا استفهام من الله بهل، ورجاء من الله بعسى، والله لا يستفهم ليعلم إنما يستفهم ليقرر حقيقة واقعة. كلمة عسى فعل يدل على الرجاء وبعدها الشيء المرجو، والرجاء يكون لأمر محبوب متوقع الحدوث وممكن الحدوث، على خلاف التمني فهو لشيء محبوب، لكن مستحيل أنْ يتحقق كقول الشاعر:
ألاَ لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْماً   فَأُخبرهُ بمَا فعَلَ المشِيبُ
أما الرجاء فتقول: عسى إنْ ذاكرتَ أنْ تنجح، لكن يختلف الرجاء باختلاف القائل والمقول له، فعندما أقول لك: اذهب إلى فلان عسى أن يقضي حاجتك، أو عساني أفعل لك شيئاً فالرجاء هنا في بشر، فإذا كان الرجاء في الله كان أقوى كأنْ تقول: عسى الله أن يغفر لي. فقوله تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } [محمد: 22] لعلكم يحدث منكم هذا ويتوقع منكم، إذن: ظلوا على ما أنتم عليه من الإيمان والطاعة ولا تدخلوا من باب الذنوب والمعاصي. { إِن تَوَلَّيْتُمْ.. } [محمد: 22] أي: أعرضتم عن الإيمان، أو توليتم بعض المناصب كالرئاسة مثلاً تأتي لك بالمصيبة إليك. { أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ.. } [محمد: 22] يعني: مع الخَلْق جميعاً { وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ.. } [محمد: 22] رقَّى المسألة إلى الأقارب والأرحام يعني: يتعدى فسادكم الناس جميعاً إلى الأقارب والأرحام. أو نقول: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ.. } [محمد: 22] ما الذي صرفكم عن الحق الذي جاء به محمد، ولماذا تضعون في طريقه العقبات؟، وأولها أنْ تسخروا منه، وأنْ تصفوه بما ليس فيه من قولكم: ساحر، وكاهن، وشاعر، وكذاب. ثم آذيتموه في نفسه بالسب وفي بدنه وفي أهله وفي أصحابه، بل بيَّتم له لتقتلوه، ما الذي جعلكم تفعلون ذلك؟ هل ظننتم ورجوتم أنكم إذا فعلتُم ذلك تصبحون على حَلِّ شعوركم للإفساد في الأرض وقطع الأرحام. والحق سبحانه يريد أنْ يُعلمنا أن الرسل لا تتدخل ولا تأتي السماء بمنهج جديد إلا إذا عَمَّ الفسادُ المجتمع كله، لأن الفساد له مراحل: أولها: فساد النفس وهذا له رادع من النفس اللوّامة، وهي مناعة في النفس الإنسانية تعود بها إلى الجادة وتُقوِّم سلوكياتها. فإذا فسدتْ النفس وتلاشى دور النفس اللوامة جاء دور الرَّدْع من المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يكُنْ رادع من المجتمع وعَمَّ الفساد الجميع هنا تتدخل السماء برسول جديد يأتى بمعجزة ليقنع الناس ليؤمنوا بما جاءهم به. فأنتم حين توليتم عن الدعوة وأعرضتم عنها ووضعتم في طريقها العراقيل تنتظرون أنْ تظلوا على الفساد الذي نشأتم عليه في الأرض عموماً أو في تقطيع الأرحام، لا فأنتم تجنون على أنفسكم، ألم تنظروا إلى مَنْ سبقكم من الآباء والأجداد أين ذهبوا، إن مصيركم كمصيرهم، فاحذروا

السابقالتالي
2 3