الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ }

قوله تعالى: { طَاعَةٌ.. } [محمد: 21] بعدفَأَوْلَىٰ لَهُمْ } [محمد: 20] تجعلنا نصرف نظرنا عن إثبات الهلاك لهم ونقول: طاعة منهم لأمر الله، وقول معروف أوْلَى من موقفهم وأوْلَى من نفاقهم. { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ.. } [محمد: 21] يعني: صمم وجنّد عزيمته للعمل، كما قال سبحانه:فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ.. } [آل عمران: 159] لكن هل الأمر هو الذي يعزم أم صاحبه؟ إذن: هنا مبالغة جعلتْ من الأمر المعنى شخصاً يعزم ويصمم ويعقد العزم على العمل، ذلك لأن الحديث هنا عن القتال، والقتال هو أشقّ ما يمكن أنْ يتحمله المرء، لأنه يعني إما الشهادة وإما النصر على العدو.قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } [التوبة: 52]. إذن: { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ.. } [محمد: 21] أبلغ في التعبير عن المعنى من: عزمت أنت على الأمر، فكأن الأمر نفسه هو الذي يُلح عليك، ولا يلح عليك الأمر إلا إذا كان فيه خير كثير لك، وهل هناك أفضل من الشهادة في سبيل الله؟ وقصة مخيريق اليهودي مشهورة، فبعد أنْ أعلن إسلامه نُودي للقتال فخرج وقاتل حتى قُتل ودخل الجنة وهو لم يُصَلِّ لله ركعة واحدة. لذلك قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: " مُخيريق خير يهود " صحيح احرص على الموت توهب لك الحياة، الحياة الباقية مع الله في الجنة. وقوله: { فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } [محمد: 21] أي: صدّقوه في أوامره ومنهجه لكان خيراً لهم، والخير هنا هو البراءة من الموت بعد ذلك لأنه جاد بنفسه طواعية في سبيل الله فوهبه الله الحياة عنده.