الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ }

قلنا: إن المتقابلات يُظهر بعضها بعضاً، وذكر المتقابلات من أسلوب القرآن، ليحدث مقارنة بين الأمرين فتتضح الصورة كما في قوله تعالى:إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار: 13-14]. وهنا يقول في مقابل الذين كفروا { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [محمد: 2] ولم يقل آمنوا بمَنْ، لأن الإيمان أمر فطري، وساعة يُطلق ينصرف إلى الإيمان بالله، لأنه هو الإيمان الأول. والفعل آمن يتعدى بالباء تقول آمن به يعني: اعتقد وجوده، ويتعدَّى باللام، تقول آمن له: يعني صدَّقه، وقد يتعدَّى بلا حرف كما فيوَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [قريش: 4] وكلها تؤدي معنى الأمان والاطمئنان والسلام. وقوله: { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ.. } [محمد: 2] دائماً ما يقرن القرآن بين الإيمان والعمل الصالح، لأن الإيمان عمل القلب، أما العمل الصالح فعمل القالب والجوارح، فمن القلب والقالب يكون الامتثال إيمان قلب للعقيدة، وإيمان قالب لطاعة الأمر ممن يعتقد به. وسيد الجوارح كلها في الإنسان هو القلب، لأنه الآلة التي تضخ الدم وهو سائل الحياة إلى جميع أجزاء الجسم، فإذا عَمُر القلب بالإيمان ضخَّه إلى كل الأعضاء فاستقامتْ. لذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إن في الجسد مضغة، إذا صلُحتْ صَلْح الجسد كله، وإذا فسدتْ فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ". عمل القلب أنْ يؤمن بالله وبما يخبر الله به من الغيبيات: يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويؤمن بالقدر خيره وشره، ثم يأتي عمل الجوارح، فالعين لا تمدها إلى محارم غيرك، واللسان لا تشهد به زوراً، ولا تغتب به الناس، ولا تقذف به المحصنات، ولا تحلف به يميناً كاذبة. والبطن لا تملؤها إلا من الحلال، واليد لا تسرق بها، ولا تقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، والرِّجْل لا تسعى بها إلى محرم. إذن: كل جارحة لها عمل صالح، ويجب أنْ تجنبها الحرام، وهناك من العمل الصالح ما يشمل كل الجوارح وهو بر الوالدين. لذلك قرنه الله بعبادته فقال:وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً.. } [النساء: 36]. وفي سورة العصر بيان لأهمية العمل الصالح بعد الإيمان بالله، فقال تعالى:وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ.. } [العصر: 1-3]. وقوله تعالى: { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ.. } [محمد: 2] قوله تعالى: { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ.. } [محمد: 2] بعد { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ.. } [محمد: 2] دل على وجوب الإيمان بالرسل السابقين. لذلك قال تعالى:شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ.. }

السابقالتالي
2