الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ }

قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ.. } [محمد: 16] ممَّنْ؟ ستعرف بعد أن تقرأ أوصافهم { مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ.. } [محمد: 16] يستمع إلى رسول الله وهو يقرأ القرآن { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ.. } [محمد: 16] يا محمد { قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ.. } [محمد: 16] أمثال ابن مسعود وابن عباس { مَاذَا قَالَ آنِفاً.. } [محمد: 16] يعني: ما الجديد فيما قاله محمد، كأنهم يحتقرون ما سمعوه من رسول الله. هذه إذن ليست صفات الكافرين، لأن الكافرين لم يكونوا يستمعون للقرآن، إنما هي صفات المنافقين الذين كانوا يشاركون المسلمين صلاتهم ومجالسهم ويذوبون فيهم بخبث ودهاء، لكن كان القرآن ينزل على رسول الله فيكشفهم. لذلك كان النفاق أسوأ وأضرَّ على المسلمين من الكفر، فالكافر معلوم أنه عدو ظاهر العداوة، ويمكن أنْ تحتاط له، أمَّا المنافق فواحد من الجماعة المسلمة يعلن الإسلام ويبطن الكفر، فعداوته غير ظاهرة وخطرة أعظم. والذي يتتبع تاريخ النفاق في الإسلام يجده لم يظهر في مكة إنما ظهر في المدينة، فرغم العداء الشديد بين الإسلام والكفار في مكة إلا أنه كان عداءً ظاهراً مُعلناً يمكن مواجهته، فلم يوجد فيها نفاق، لم يظهر إلا في المدينة، لماذا؟ لأن النفاق لا يكون إلا مع القوي، فالضعيف لا يُنافق الضعيف، تعلن العداء في وجهه، أما القوي فتنافقه لتتغلب عليه. إذن ما الداعي للنفاق في مكة والمسلمون فيها قلَّة مستضعفة، هذا يعني أن النفاق ظاهرة تدل على قوة الإيمان، وأنه أصبح له شوكة تُنَافَق، وهذا حدث في المدينة. لذلك قال سبحانه وتعالى في حقهم:وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ.. } [التوبة: 101]. كلمة { يَسْتَمِعُ.. } [محمد: 16] وردتْ هذه المادة في القرآن بلفظ: سمع واستمع وتسمَّع، سمع أي: دون إرادة منه للسماع، واستمع لمن يحب أنْ يسمع شيئاً محبوباً لديه، أما تسمع ففيها تفعُّل وتكلُّف للسماع ومحاولة. إذن: قال: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ.. } [محمد: 16] يعني: برغبته وارادته وهو محب لأنْ يسمع، وهكذا كان حال المنافقين يجلسون في الصفوف الأولى ويُبدون من الاهتمام ما لا يُبديه غيرهم، فلا تفوتهم كلمة ولا تفوتهم صلاة ليحبكوا خطتهم ويُخْفوا نفاقهم. { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ.. } [محمد: 16] لأنهم سمعوا الكلام ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بمقتضاه، فكان الجزاء أنْ ختم الله على قلوبهم وطبع عليها، وكأن الله يقول لهم: ما دُمتم أحببتم النفاق فسوف أزيدكم منه وأختم على قلوبكم حتى لا يخرج منها النفاق ولا يدخلها الإيمان. { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } [محمد: 16] الهوى أنْ يميل قلبك إلى شيء تعتقد أنه سارّ ومُفرح لك، فرح عاجل ولذة وقتية دون النظر في العواقب بعد هذه اللذة.

السابقالتالي
2 3