الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

{ قُلْ.. } [الأحقاف: 9] أي: قُلْ لهم يا محمد { مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ.. } [الأحقاف: 9] البدع هو الشيء الجديد المستحدث الذي لم يسبق له مثال. ومن ذلك قوله تعالى:بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الأنعام: 101] أي: خالقهما على غير مثال سابق، نقول: فلان مبدع يعني: جاء بشيء لم يسبقه أحد إليه. والمعنى: ما جئتُ على سنة غير التي جاء عليها مَنْ سبقني من الرسل، أو ما كنتُ مبتدعاً ما أدعوكم إليه، لستْ أول رسول يُقابَل بالتكذيب ويُواجَه بالكفر والعناد والاضطهاد، بل سبقني إلى ذلك كلّ الرسل السابقين، أُوذوا وكُذبوا وصبروا حتى نصرهم الله، كما قال تعالى:فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ.. } [العنكبوت: 40]. فكانت سنة الله في الرسل السابقين أنْ تتولى السماءُ تأديب المكذِّبين للرسل المعارضين لدعوة الحق، أما في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمَّن الله محمداً وأمَّن أمته على أنْ يتولوا هم تأديب المكذِّبين للدعوة المصادمين لها، وأن ينصروا الحق، وأنْ يكونَ أهلاً له إلى قيام الساعة. لذلك قال صلى الله عليه وسلم: " الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة " والمراد الخير فيَّ حصراً وفي أمتي نثراً، بحيث يأخذ كل جيل أو كل واحد منهم جزءاً من هذه الخيرية. وقوله: { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ.. } [الأحقاف: 9] أي: الآن لا أدري لكن لعله يدري في المستقبل بما يُوحيه الله إليه، كما حدث في مسألة محاربة الكفار والجهر بالدعوة، حين طلب بعض مَنْ أسلم مع رسول الله محاربة الكفار. فكان يقول لهم صلى الله عليه وسلم: ما أُمرت، ما أُمرت. فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وافقهم على القتال. إذن: جهر بدين الله في مكة ولم يحارب إلا في المدينة، وهنا حكمة، فمكة كانت موطن قريش ومحلّ سيادتها، وقريش كانت موضعَ اهتمام واحترام من كل قبائل العرب لمكانتها من بيت الله الحرام وخدمتها لحجاجه. ولتوسط مكة طريقَ التجارة بين اليمن والشام في رحلة الشتاء والصيف، فكان لا بدَّ من مراعاة هذه المكانة لقريش، وعدم إعلان الحرب عليها في هذا الوقت. وحين نقرأ مثلاً سورة الفيل:وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [الفيل: 3-5] لو قلت: لماذا؟ تجيبك سورة قريش:لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } [قريش: 1-2]. يعني: فعل الله هذا لمصلحة قريش، ولتظلّ لهم المكانة والمهابة بين قبائل العرب، ولتظلّ آمنة مطمئنة في رحلة تجارتها بين اليمن والشام. لذلك قال بعدها:فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }

السابقالتالي
2