الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

يعني: هذه الآلهة التي اتخذوها من دون الله { فَلَوْلاَ.. } [الأحقاف: 28] يعني: هلا، وهي تفيد الحضّ، وفي المعنى تهكّم بهم أي: هلاّ نصروهم ووقفوا إلى جوارهم في مصائبهم، ومعنى { قُرْبَاناً.. } [الأحقاف: 28] يعني: تقربهم إلى الله، وهذا كله لم يحدث لماذا؟ لأنها آلهة باطلة مُدَّعاة، لا تضر ولا تنفع. بل هي من صُنْع أيديهم، وباشروا صناعتها بأنفسهم فأقاموا الحجر وجعلوا له ذراعين ورِجْليْن وأنف وأذن، وإذا وقع رفعوه، وإذا كُسِر ذراعه أصلحوه، بالله هل هذه عقول؟ وقولهم { قُرْبَاناً.. } [الأحقاف: 28] كما قالوا في موضع آخر:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ.. } [الزمر: 3]. وعجيبٌ منهم هذا الكلام وهم أمة الفصاحة والبيان، ويعلمون جيداً معنى العبادة، فلو قالوا ما نحترمهم إلا ليُقرِّبونا إلى الله لكانَ معقولاً، لكننَعْبُدُهُمْ.. } [الزمر: 3] وأنتم تعرفون أن العبادة طاعة أمر المعبود في أمره ونهيه، وهل للآلهة هذه أوامر أو نوَاهٍ؟ لذلك يردُّ اللهُ عليهم { بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ.. } [الأحقاف: 28] يعني: تاهوا وغابوا عنهم، من قولنا: ضلّ فلان الطريق، ومنه قوله تعالى:وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ.. } [الإسراء: 67] لماذا؟ لأن المسألة هلاك. والإنسان لا يخدع نفسه، ففي وقت الشدة يترك الآلهة المدعاة، ويلجأ إلى الإله الحق الذي يملك النفع ويملك الضر، ففي هذا الموقف لا يقول أبداً: يا هُبل، لأنه يعلم أن هبل لن ينقذه لكن يقول: يا الله. { وَذَلِكَ.. } [الأحقاف: 28] إشارة إلى اتخاذهم آلهةً من دون الله { إِفْكُهُمْ.. } [الأحقاف: 28] الإفك هو الكذب المتعمَّد، وهو أشد أنواع الكذب { وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [الأحقاف: 28] يختلقون من الكذب من قولهم أن هذه آلهة، فكأن المعنى العام للآية: أن عدم النصرة نتيجة الإفك والافتراء على الله باتخاذ آلهة من دونه.