الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ }

كلمة { تُدَمِّرُ.. } [الأحقاف: 25] تهلك { كُلَّ شَيْءٍ.. } [الأحقاف: 25] يعني: لا تُبقي لهم شيئاً { بِأَمْرِ رَبِّهَا.. } [الأحقاف: 25] خالقها ومُجريها، فهي لا تُهلك بطبيعتها إنما بأمر الله لها، فبدل أنْ تأتيهم بالخير أتتهم بالشر، فتحتاج هنا إلى أمر زائد من الله بأنْ تتحول إلى الشر، وتُهلك بدل أنْ تعمِّر. ولا يملك هذا الأمر إلا الله، ولا يُخرجها عن طبيعتها إلا خالقها سبحانه، كما أخرج النار عن طبيعتها في قصة سيدنا إبراهيم، فقال لها:يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69]. إذن: استجابتْ الريحُ لأمر ربها، وأهلكتهم هلاكاً لم يُبْق لهم شيئا من متاعهم إلا بقايا بيوتهم { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ.. } [الأحقاف: 25] ولماذا أبقتْ على مساكنهم؟ قالوا: لتكون عبرة لغيرهم، وأثراً من آثارهم الدَّالة عليهم وعلى نزول العذاب بهم، وإنْ كانت هذه القرى مطمورة تحت الأرض، لأنهم كما قلنا: كانوا في وادٍ من الرمال هو الأحقاف، وهذه الرمال هي التي طمرتهم. قالوا: لما أراد اللهُ إهلاكهم وسلَّط عليهم الريح العاصف، فأوَّل مَنْ رأى العذاب امرأةٌ منهم، رأتْ بيتها يطير في الهواء مثل الطير. ولما فاجأهم العذاب دخلوا البيوت يحتمون بها من شدة العواصف، فدخلتْ الريح وراءهم البيوت، ودخلت عليهم الرمال حتى دفنتهم فيها، ونفس الريح التي طمرتهم هي التي كشفتْ عنهم وأظهرتْ جيَفهم ليعتبر الناسُ بها ثم أُلقُوا في البحر. { كَذَلِكَ.. } [الأحقاف: 25] أي: بمثل هذا { نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الأحقاف: 25] فالجزاء ليس ظلماً ولا عدواناً، إنما جزاء من جنس العمل، فما استحقوا هذا العذاب إلا لأنهم مجرمون. أما الذين آمنوا بسيدنا هود وصدَّقوا دعوته فقد حصَّنهم من العذاب بأنْ خَطَّ حول مساكنهم خطاً، وكأن لسانَ حاله يقول: يا ربّ هؤلاء هم المؤمنون بدعوتي، فنجِّهم واحرسهم فنجّاهم الله. وقوله تعالى: { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الأحقاف: 25] إنذار وتحذير لكفار قريش، يعني: يا كفار قريش خُذُوا عبرة ممَّنْ كذّب الرسل قبلكم، فهذا جزاء كلِّ كافر مخالف لمنهج الله مكذِّب لرسله، وهذه هي الصورة أمامكم. ثم يُوجِّه الخطاب إليهم: { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ... }.