الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

القرآن الكريم أعطانا عدة لقطات للوالدين مع الأولاد، وهذه اللقطات تختلف باختلاف الأحوال، ولأهمية هذه العلاقة بين الوالد والولد قرنَ اللهُ الوصية بالوالدين بعبادته سبحانه، وأعطاها نفس الأهمية والقداسة. فقال سبحانه:وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً.. } [الإسراء: 23] لأن الوالد والولد هما الخلية الأساسية لبناء المجتمع، فإذا صلحتْ صَلُح المجتمع، وإذا فسدتْ فسد المجتمع، وصلاح هذه الخلية يقتضي منا أن نعلم منزلة الوالدين، وأنهما السبب المباشر في الوجود فلهما حَقُّ السَّببية في الإيجاد، يعني: لولاهما ما وجد الولد. وحين نبرهما ونحترمهما تكون دُرْبة لنا على تعظيم واحترام المُوجِد الأول سبحانه والأصل الأصيل في المسألة. لذلك جاءت هذه الوصية عامة، لا فرق بين مؤمن وكافر، فالحق يُوصي بالوالدين حتى إنْ كانا كافريْنِ، لأنه تعالى ربُّ الجميع يتكفل بالجميع حياة ورزقاً وإقامة ، لأنه عبده وصَنْعته. وقُلْنا: يجب أنْ نلحظ الفرق بين الألوهية والربوبية: فالربوبية عطاء وتربية، والألوهية تكليف وتعبُّد بطاعة الأمر واجتناب النهي. فهو أيضاً عطاء، لكن عطاء تكليفي بافعل ولا تفعل، عطاء لأن فائدته تعود على العبد ولا ينتفع الله منها بشيء، ولا تزيده طاعة الطائعين صفةً لم تكُنْ له سبحانه، ولا تسلبه معصية العاصين صفةً ثابتة له سبحانه. فالله له صفات الكمال المطلق قبل أنْ يُوجد هذا الخلق، لذلك نرى الإنسان حين يحزبه أمر لا يقدر عليه من أمور حياته يقول: يا رب، فيدعو بصفة الربوبية يعني يا رب، يا من تتولى رعايتي وتربيتي خُذْ بيدي وأعنِّي. لكن إذا أراد أنْ يستعين على أمر تكليفي لله تعالى يقول: يا الله، يعني يا إلهي، يا مَنْ كلَّفتني أعنِّي على طاعتك فيما كلَّفتني. إذن: الحكمة من التكليف لا تعود على الله إنما تعود على المكلَّف، والحق سبحانه يريد مجتمعاً مؤمناً صالحاً يبني ويُعمر، ويكون على أحسن حال، كما تحثّ ولدك الصغير على المذاكرة وتقول له: إنْ نجحت سأشتري لك عجلة أو بدلة، فأنت تريد له الخير ولن تنتفع أنت بما ستشتريه له. لذلك ورد في الحديث القدسى: " يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضُرِّي فتضروني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وحيّكم وميّتكم، وإنسكم وجنَّكم، وشاهدكم وغائبكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من مُلكي شيئاً. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم.. اجتمعوا في صعيد واحد، فسألني كلُّ واحد مسألته فأعطيتُها له ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخلَ البحر. ذلك أنَِّي جواد ماجد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أنْ أقول له: كُنْ فيكون "

السابقالتالي
2 3 4