الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

معنى { أَرَأَيْتُمْ.. } [الأحقاف: 10] أخبروني أنتم إن كنتم شاهدتم { إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ.. } [الأحقاف: 10] الجواب تقديره: ماذا يحدث لكم؟ والجواب معلوم: إنْ كان هذا القرآن من عند الله ومع ذلك كفرتُم به فلن تنالوا إلا غضبَ الله في الدنيا وعقابه في الآخرة. { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ.. } [الأحقاف: 10] الشاهد الذي شهد على صدق القرآن، وأنه من عند الله هو عبد الله بن سلام، وهو أحد أحبار اليهود وأسلم وشهد لمحمد وللقرآن. { عَلَىٰ مِثْلِهِ.. } [الأحقاف: 10] على مثل القرآن من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل، فهو مثلها من عند الله يدعو إلى ما دعتْ إليه من عبادة الله وتوحيده، فكما نزلت التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى نزل القرآنُ على محمد صلى الله عليه وسلم، وصفته ثابتة عندهم في التوراة. لذلك كان يقول عن رسول الله: والله لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لولدي ومعرفتي لمحمد أشد. نعم عرفه من العلامات التي وردت في كتبهم. يقول تعالى:وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ.. } [البقرة: 89] أي: القرآنوَكَانُواْ مِن قَبْلُ.. } [البقرة: 89] أي من قبل نزول القرآنيَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ.. } [البقرة: 89] لماذا؟ لأنه سيسحب بساط السيادة والسلطة من تحت أقدامهم. وقال أيضاً فيهم:وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ.. } [المائدة: 13] وإنْ كان لهم عذر في النسيان فليس لهم عذر في كتمان الكتاب وتحريفه، بل كان منهم صنفيَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [البقرة: 79]. إذن: اليهود نسُوا وكتموا وحرّفوا وبدّلوا، لكن الحق سبحانه وتعالى لا بُدَّ أنْ يُوقعهم في أشياء تدل على فعلهم وتكون منافذ للحق، فمثلاً في مسألة الذبيح عارضوا وقالوا: الذبيح إسحاق لا إسماعيل. والرد على هذا الادعاء أنْ نقول لهم: إنْ كان الذبيح إسحاق، فلِمَ شُرعتْ مناسك الفداء ورَمْي الجمرات هنا، ولم تُشرع في موطن إسحاق. وارجعوا إلى كتبكم أنتم، ففي التوراة في الأصحاح الرابع والعشرين قال الله لإبراهيم: يا إبراهيم اصعد بابنك الوحيد جبل المرية وقدِّمه قرباناً لله، وهل كان إسحاق وحيداً؟ وفي الأصحاح الذي بعده مباشرة يقول: لقد وُلد إسحاق وعُمْر إسماعيل أربعة عشر عاماً. إذن: كلامهم متناقض تماماً مع ما في كتبهم، وهذه منافذ للحق يُقيم بها الحجة عليهم. وقوله: { فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ.. } [الأحقاف: 10] أي: آمن هذا الشاهد في حين استكبرتم أنتم على قبول الحق، وسبق أن ذكرنا قصة إسلام عبد الله بن سلام،

السابقالتالي
2 3