الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ }

هذه واحدة من الحواميم السبع، وهي السور التي بدأتْ بقوله تعالى حم، وهي سبع سور مُتصلة في القرآن الكريم أولها غافر:حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [غافر: 1-2] أى: العليم بما يصلحكم، ولا تَخْفى عليه منكم خافية. ثم فصلَّت:حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [فصلت: 1-2] ثم الشورى:حـمۤ * عۤسۤقۤ * كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الشورى: 1-3] ثم الزخرف:حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الزخرف 1-2] ثم الدخان:حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الدخان: 1-2] ثم الجاثية:حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } [الجاثية: 1-2] ثم الأحقاف: { حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } [الأحقاف: 1-2]. وهي آخر الحَواميم. ونلاحظ أن هذه السُّور تسير في بدايتها على نظام واحد يؤكد على أن حم وغيرها من الحروف المقطَّعة مُنزَّلة من عند الله، وهي وحْي يعلم الله مراده، وهي في التنزيل مثل باقي القرآن وباقي الآيات الواضحات، لذلك مرة يقولحـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [فصلت: 1-2] أي: هي ذاتها مُنزلة. وفي آية أخرى يقول:حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الزخرف: 1-2] يعني: حم والقرآن الظاهر الواضح المعنى، كلاهما تنزيل مُنزَّل من عند اللهإِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } [الدخان: 3]. ونحن نؤمن بأن كل هذه الآيات من عند الله الذي نعرف معناه والذي لا نعرف معناه. قلنا: لأن الله تعالى يريد أنْ يحرس كلَّ إيمان بمشهد، فالإيمان لا يكون إلا في الغيبيات، ولا يكون الإيمانُ في المُشَاهد لنا. فمثلاً لا يصح أنْ نقول: نحن نؤمن بأننا نجلس الآن مع الإخوان في مسجد الفردوس ونُلقي درساً، لكن نقول: نؤمن بأن الله موجود، بأن الجنة حَقّ. ومن رحمة الله ولُطفه بنا أنْ يحرس الإيمان الغيبي بأمر مُشاهد لنأخذ من المشاهد لنا دليلاً على صدقه فيما غاب عنا. إذن: هذه الحروف المقطَّعة التي لا نعرف معناها نزلتْ هكذا لحكمة. خُذْ مثلاً رحلة الإسراء والمعراج تجد فيها غيباً يحرسه مشهد، كيف؟ تعرفون أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرّض لكثير من الأذى وضُيْق عليه وعلى دعوته وعلى المؤمنين به، وكان آخر ذلك في الطائف حيث آذاه أهلها حتى شقَّ عليه ما يلاقي. وقلنا: إنه جلس يناجي ربه ويشتكي إليه قسوة هؤلاء ويطلب منه النُّصْرة. بعدها جاء حادث الإسراء والمعراج، وكأنه رحلة تخفِّف عن رسول الله ورسالة تقول له: يا محمد إنْ جفاك أهل الأرض فسوف احتفل بك في أهل السماء وأذهب بك إلى مكان لم يذهب إليه أحدٌ قبلك، وأريك من آياتي ما لم يره أحد قبلك. والمتأمل في سَيْر هذه الرحلة يجد أن الحق سبحان مهَّد بالإسراء للمعراج، فجعل رحلة الإسراء آية أرضية وهي آية مشاهدة معروفة أبعادها وتفاصيلها، وكثيرٌ من أهل مكة يذهبون في هذه الرحلة من مكة إلى بيت المقدس، ويمكن أن يقام عليها دليل عقلي لمن لا يؤمن بها؟ لذلك لما كذَّبه قومه وقالو: أتزعم أنك أتيتَ بي المقدس في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً؟ ثم طلبوا من رسول الله أنْ يصف لهم بيت المقدس، وأنْ يعطيهم علامات في الطريق، ولو كانوا على يقين من هذه الرحلة ما سألوا رسول الله ذلك.

السابقالتالي
2 3 4