الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

أي: من آياته الكونية الدالة على قدرته تعالى اختلافُ الليل والنهار، وفي آيات أخرى عرفنا أن الليل وحده آية والنهار وحده آية، والكلام هنا عن اختلاف الليل والنهار، ومجرد اختلافهما آية من آيات الله. فالليل والنهار مختلفان من عدَّة وجوه: مختلفان في ظلمة الليل ونور النهار، ومختلفان طولاً وقصَراً، وكذلك مختلفان في المهمة، وهما ظرفان لزمن الأحداث، وقد يطول الليل ويقصر النهار، أو يطول النهار ويقصر الليل، ثم يتساويان في المدة. فمثلاً نجد الليلَ يطولُ في الشتاء ويقصر في الصيف، وهذا لحكمة، فنحن نعمل طوال يوم الشتاء حيثُ اعتدال الجو الذي يساعد على العمل لذلك نحتاج إلى فترة أطول للراحة، فنجد ذلك في ليل الشتاء الطويل. ثم لو نظرتَ إلى الليل والنهار بصورة أوسع تشمل الكرةَ الأرضية كلها وجدتَ أنهما مُتداخلان، فالنهار عندك ليلٌ عند غيرك، والليل عندك نهارٌ عند غيرك، فهما موجودان معاً، لكن في أماكن متباعدة من الأرض. وهكذا تجد كلَّ لحظة من لحظات الزمن يبدأ فيها ليلٌ وينتهي نهار، أو يبدأ فيها نهارٌ وينتهي ليل، إذن: هي حركة دائرة لا تنتهي، مواقيت مختلفة في الزمن كله. فلو أخذنا مثلاً الأذان لوجدناه يدور في كلِّ لحظة من لحظات الزمن بكلِّ لفظ من ألفاظه، ففي اللحظة التي تقول فيها الله أكبر غيرك يقول أشهد ألا إله إلا الله وغيرك يقول أشهد أن محمداً رسول الله وهكذا. والأمر كذلك في الصلاة، فحين تُصلي الظهر، غيرُك يصلي العصر، وغيرُك يصلي المغرب، وآخر يُصلي العشاء في اللحظة ذاتها. إذن: نستطيع أنْ نقول بوجود كلِّ الأوقات في كلِّ الأوقات، وأن الحق سبحانه يُعبد في كلِّ لحظة بكلِّ أنواع العبادات، وأن ألفاظ الأذان دائرةٌ في سَمْع الدنيا كلها، تستوعب كلَّ الزمان وكلَّ المكان. وهذا كلُّه من اختلاف الليل والنهار طُولاً وقِصَراً، والطول والقِصَر ناتج عن حركة الشمس، وهذه مسألة أخرى تحتاج إلى دِقَّة في الملاحظة، فالشمس حين تشرق عندك تغيب عند غيرك، فكلُّ مشرق عند قوم مغربٌ عند آخرين. وهذه تفسر لنا قوله تعالى:رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [الرحمن: 17] فقال مشرقين ومغربين، لأن المشرق عندك مغرب عند غيرك في نفس الوقت. فإذا نظرتَ إلى امتداد الزمان في جزئياته الدقيقة بالثانية وجدتَ مشارق ومغارب، كما قال سبحانه:بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ.. } [المعارج: 40] فإذا نظرتَ إلى المكان الواحد وجدتَ مشرقاً ومغرباً، وقد قال سبحانهرَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ.. } [المزمل: 9] إذن: فهو صادق في كلِّ ما أخبرنا به سبحانه. ومن آيات الليل والنهار أيضاً أن الله جعلهما خلْفةً، يعني: الليل يخلُف النهارَ والنهارُ يخلُف الليلَ، قال تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً }

السابقالتالي
2 3 4