الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

أولاً: كلمة لله الحمد جملة من مبتدأ وخبر قُدِّم فيها الخبر لإفادة قصر الحمد على الله وحده، فالحمد واجب لله تعالى قبل كل شيء، واجب لله على أنه خَلَقَ من عدم وأمدَّ من عُدم، وهدى الناس بآياته البينات إلى سبيل الحق. الحمد واجب لله على قيومته، وعلى المنهج الذي هدانا به، وعلى دار الجزاء التي يثيب فيها المؤمن ويعاقب فيها الكافر، الحمد واجب لله على أنْ أحيانا بروح منه أحيت مادتنا في الدنيا، وروح منه أحيَتْ قيمنا في الآخرة. لذلك خاطبنا ونحن أحياء قال:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ.. } [الأنفال: 24] فالمراد بالحياة هنا حياة القيم التي تمنحك الحياة الباقية الخالدة في الآخرة.وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64]. يعني: الحياة الحقيقة التي تستحق أن نعمل لها. ومن نِعَمه تعالى التي تستوجب الحمد أنْ علَّمنا كيف نحمده سبحانه بهذه الكلمة الخفيفة على اللسان التي يستوي في نُطْقها العالم والأمي. الكل يقول: الحمد لله. الكل يثني على الله بلفظ واحد، ولَو لم تكُنْ هذه المساواة لَفَاز المتعلمون والبُلغاء وأصحاب الفصاحة والبيان وخسر الأمي الذي لا يحسن الكلام والعيي الذي لا يقدر على التعبير. لذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نبَّهنا إلى هذه المسألة، حين قال في الثناء على الله تعالى: " سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك ". ومعنى { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ.. } [الحاثية: 36] أن الحمد حقٌّ لله دائم لا ينقطع ولا ينتهي، لا من الحامد ولا من المحمود عليه. ثم يأتي الحق سبحانه بالحيثية على الحمد لله { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الجاثية: 36] والرب هو المُربِّي والمالك والمعطي، فكيف لا يُحمد؟