الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ }

ما دمنا بصدد الحديث عن كتاب الأعمال الذي يقرأه الإنسان، فهذه الآية تتحدث عن النوع الاول وهو المؤمن الذي عمل صالحاً، فأخذ كتابه بيمينه ووجده على أحسن صورة ففرح به وتباهى. فهذه الآية أوضحها الحق سبحانه في آية أخرى:فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [الحاقة: 19-24]. وتأمل هنا كلمة { فِي رَحْمَتِهِ.. } [الجاثية: 30] فكأن الرحمة ظرف لهم يُدخلهم فيه ويعمُّهم به، فالرحمة تغمرهم وتحيط بهم من كلِّ جانب، فليس لهم هنا إلا الرحمة لأنهم شَقُوا في الدنيا وتحمَّلوا أعباء العبادة والعمل الصالح وتقلَّبوا بين نعمة وشقاء، ومكسب وخسارة، وصحة ومرض، أما هنا فلن يجدوا إلا رحمة الله تعمُّهم وتشملهم. وكلمة { آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ.. } [الجاثية: 30] دلتْ على أن الإيمان القلبي وحده لا يكفي، بل لا بدَّ له من ثمرة، وثمرة الإيمان وفائدته أنْ توظفه لخدمة امن آمنتَ به. لذلك دائماً يقرن القرآن بين الإيمان والعمل الصالح، كما في قوله تعالى:وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ.. } [العصر: 1-3] لأن الإيمان بالله وبالبعث والحساب والقضاء والقدر يجعل الإنسان على يقين من أنه محاسبٌ مسئول عن كلِّ تقصير. وما دام أنك ستُسأل فلا بدَّ أنْ تكون يقظاً لا تستهين بالذنب مهما كان صغيراً، ولا تزهد في الخير مهما كان يسيراً، فمَنْ كانت نهايته الحساب كان جديراً ألاَّ تُفلتَ منه هذه المسائل إلا سَهْواً أو نسياناً، فالسهو والنسيان يجبرهما الاستغفار والتوبة. وقلنا: من رحمة الحق بالخلْق أنْ شرع لهم التوبة مجرد مشروعية التوبة، وفَتْح بابها للناس رحمة، رحمةٌ بالمقصِّر المذنب، ورحمة بالمجتمع الذي يَشْقى بذنوب المذنبين. وقوله سبحانه: { ذَلِكَ.. } [لجاثية: 30] إشارة إلى دخول أهل الإيمان والعمل الصالح في رحمته { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } [الجاثية: 30] الواضح المحيط بالنفع الكامل، بحيث لا يتسرب إليه شيء يناقض الحق في الرحمة. ثم في المقابل: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ... }.