الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

لم تستقم للكافرين حجة واحدة، بل كانت لهم حجج كثيرة يسوقونها للتملص من الإيمان بالله ورسوله وقرآنه، لذلك نجدهم عندما تُتلى عليهم آيات الله أي: آيات القرآن نجد لهم حججاً كثيرة متنوعة. يقول تعالى:وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا.. } [الأنفال: 31]. وفي آية أخرى يقول:وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ.. } [يونس: 15]. فهم يطلبون طلبين. الطلب الأول: يريدون قرآناً غير الذي أنزله الله. والطلب الثاني: أنهم يريدون تبديل آية مكان آية. وهم قد طلبوا حذف الآيات التى تهزأ بالأصنام، وكذلك الآيات التي تتوعدهم بسوء المصير. وكما طعنوا في القرآن وأرادوا تبديله وتغييره طعنوا في رسول الله الذي أُنزل عليه هذا القرآن، فقالوا:وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [سبأ: 43]. حجج تتلوها حجج، ومقصدهم أن لا يؤمنوا، وهم يعلمون أن كل حججهم ساقطة لا أساس لها، وقد يسأل سائل: إذا كان الله يسوق حججهم في عدة أيات من قرآنه. فلماذا يقول في آية سورة الجاثية: { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ.. } [الجاثية: 25]. فلماذا حصر حجتهم هنا بـ ما كان وإلا؟ ولو تأملنا كل الحجج السابقة سنجدها مجرد تلاكيك لأنْ لا يؤمنوا، ولكن حجتهم الرئيسية التي كانت أصيلة فيهم وفي تفكيرهم هي أنهم لم يكونوا يؤمنون بالبعث بعد الموت. لذلك قال الله تعالى: { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ.. } [الجاثية: 25]. وقد قال الحق سبحانه:إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ * فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الدخان: 34-36]. وكان منهم من أمسك عظاماً بالية في يده وفركها حتى أصبحت رماداً ويتطايروَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [الإسراء: 49]. لقد كانوا يستبعدون البعث بعد الموت، لأنهم غفلوا عن بداية الوجود وبداية خلق الإنسان، ولو أحصينا تعداد العالم لوجدناه يتزايد في الاستقبال ويقل في الماضي، وهكذا إلى أن نصل بأصل الإنسان إلى الأصل الأصيل وهو آدم وحواء، فمن أين أتيا إلى الوجود؟ فهذه قضية غيبية كان لا بد أن يفكروا فيها. ولقد رد عليهم القرآن إنكارهم للبعث وقولهم:أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [الإسراء: 49] بقوله تعالى:قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [يونس: 34]. إن الله سبحانه هو وحده القادر على ذلك، فكيف تقلبون الحقائق لأنكم تعرفون الواقع وتُكذِّبونه كذباً متعمداً؟ هؤلاء { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا.. } [الجاثية: 25] أي: إذا تُتْلى عليهم آيات القرآن بينات واضحات الدلالة. { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ.. } [الجاثية: 25] يعني: لم يجدوا حجة يحتجون بها على عنادهم وإنكارهم { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ.. } [الجاثية: 25] أي: الذين ماتوا إن كنتم صادقين. وهذا طلب يدل على إفلاسهم وعنادهم، فليس عندهم منطق ولا حجة تبرر هذا العناد. لذلك ردَّ الله عليهم بقوله: { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ... }.