الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

بعد أنْ تكلَّم الحق سبحانه أن الظن الجائر والخاطئ من الكافرين، وهو أنْ نُسوِّيهم بالذين آمنوا. وبعد أنْ بيَّن سبحانه وجه الظلم في هذا الظن يُحدِّثنا هنا عن عدله سبحانه، وعن ميزان الحق الذي به قامتْ السماوات والأرض بداية، وقبل أنْ يخلقَ الإنسان، وقبل أنْ يوجد المؤمن والكافر. فبالحق خلق الله السماوات والأرض، وأنشأهما بحساب دقيق وعدل مطلق، فعدالة السماء لا تقتصر على جزاء الآخرة كُلٌّ بعمله، إنما هي عدالة أزلية بها قامتْ عملية الخلق. { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [الجاثية: 22] والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، ونحن نرى آيات الله في الكون سمائه وأرضه نجدها آيات ثابتة تسير بنظام محكم دقيق لا يتخلف أبداً ولا يتبدل، لأنها بُنيت بدايةً على الحق. وكأن الله تعالى يعطينا إشارة ويلفت أنظارنا إلى أن حركة حياتنا في هذه الدنيا لن تستقيم ولن تسير في سلام إلا إذا قامتْ على الحق وبُنيت بميزان الحق، الذي به قامتْ السماوات والأرض. اقرأ مثلاً:ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } [الرحمن: 5] أي: خُلِقَتْ بحساب دقيقوَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } [الرحمن: 6-7]. وتأمل ختام الآية: { وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [الجاثية: 22] فما دام الأمر قائماً على الحق، فلا بدَّ أنْ تتحقق العدالة في الجزاء، وأنْ ينتفي الظلم. ثم يقول الحق سبحانه: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ... }.