الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ }

{ فَٱرْتَقِبْ.. } [الدخان: 59] يعني: انتظر { إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ } [الدخان: 59] منتظرون، فماذا ينتظر رسول الله؟ وماذا ينتظر الكافرون؟ رسول الله صاحبُ دعوة وهدى، جاء بنور يهدي به هؤلاء القوم، وهم مناهضون لدعوته يُناصبونه العداء، ويريدون أنْ يُطفئوا هذا النور، هو حريصٌ عليهم مُحب لهدايتهم رغم إيذائهم لهم وسخريتهم منه، حتى إنه ليكاد أنْ يهلك نفسه في سبيل دعوته. لذلك كثيراً ما خاطبه ربه مُسلِّياً له مُخفِّفاً عنه، يخبرهإِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ.. } [الشورى: 48]لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 3]. وقال:قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33] يعني: لا تحزن يا محمد لما يقولونه عنك، لأنهم يحبونك، ويُقدِّرونك ويعلمون صِدْقك ومكانتك، فأنت عندهم أعلى من أن تكذبَ عليهم، ولكن المسألة أنهم يجحدون بآياتي، فالمسألة عندي أنا. كلمة { فَٱرْتَقِبْ.. } [الدخان: 59] جاءت في هذه السورة مرتين هنا، وفي قوله سبحانه:فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } [الدخان: 10] لما دعا رسول الله عليهم وقال: " اللهم اشْدُدْ وطأتك على مُضر، واجعلها عليهم سنين كسِنيٍ يوسف ". فنزل بهم من القحط والجدب ما نزل حتى أكلوا الجيف والعِلْهز وضجّوا يدعون الله أنْ يكشف عنهم، والله يعلم أنه لو كشف عنهم لَعادوا لما كانوا عليه من التكذيب لرسوله. لذلك خاطب الله رسوله بقوله:فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [غافر: 77]. فمعنى { فَٱرْتَقِبْ.. } [الدخان: 59] أي: انتظر ما يحلُّ بهم من العذاب لأنهم يرتقبون ما يُريحهم منك ويُخلِّصهم من دعوتك، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يُعلِّم رسوله كيف يجادلهم، فيقول لهم:قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } [التوبة: 52]. يعني: قَلْ لهم يا محمد: أنتم تتربصون بنا إحدى الحسنيين، إما النصر عليكم، وإما أنْ نموت شهداء، فإن انتصرنا عليكم عَلا منهجُ الله وساد، وإنْ متْنَا كنا شهداء أحياء عند ربنا نُرزق. ونَحن نتربَّص بكم أنْ يُصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا، إذن: نحن تربَّصنا بكم بشرٍّ لكم، وأنتم تربصتم بنا بخير لنا.