الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

قلنا: إن الإيمان يعتمد على آيات الغيب فتؤمن بوجود الله وبالجنة والنار دون أنْ تراها، هذا موطن الإيمان، أما الآيات المشاهدة فلا إيمانَ فيها، لا تقول: أؤمن بأن الشمس طالعة، لكن هؤلاء للمادية التي تحكمهم يريدون آية الغيب مشاهدة، فيقولون { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الدخان: 36] وليس مع العين أين. هم هم لا يُصدِّقون إلا بالأمر الحسيِّ، لذلك يريدون إعادة آبائهم من بعد الموت ليؤمنوا بأن البعث حقٌّ، ونقول لهم: إنْ كنتم تريدون ذلك فعندكم كتب التاريخ والرسالات السماوية تحكي لكم مثل هذا الذي تريدونه مثل قصة العُزير:أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 259]. كذلك في قصة أهل الكهف، يقول تعالى الذين أحياهم الله بعد ثلاثمائة سنة وتسع، أيضاً ساعة قاموا من نومهم أو موتهم قالوالَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [المؤمنون: 113] لأن هذه الفترة المعتادة لنوم الإنسان. وهذه وغيرها وقائع حدثتْ في فترات سابقين، هم يعرفونهم ويؤمنون بهم، كذلك في قوله تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ } [البقرة: 243]. وهؤلاء الذين أحياهم الله بعد الموت لا يعيشون إلا بقدر المعجزة ثم يموتون. إذن: لا حجةَ لهؤلاء في طلب إحياء آبائهم، بدليل أن الله أحيا الموتى وبلَّغهم ذلك على لسان الرسل، ومع ذلك لم يؤمنوا، ولو أحيا الله لهم الآباء أيضاً لم يؤمنوا.