الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

هذا أمر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَذَرْهُمْ } [الزخرف: 83] اتركهم يا محمد وما يخوضون فيه من هذا الحديث الكاذب، وكلمة { يَخُوضُواْ } [الزخرف: 83] من الخوض. وأصلها خَوْض الإنسان في لُجة الماء الكثير، ثم استُعملَتْ مجازاً فيمَنْ يخوض في الحديث دون دراية. وأكثر استعمالها في الحديث الباطل، والخوض توحي بالتخبط والمشي في أماكن مجهولة لا تدري ما يقابلك فيها من أخطار، فتكون أنت الجاني على نفسك. إذن: لا بدَّ أن تتحسَّس قبل أنْ تخوضَ، واحذر الخوض في الباطل. وقوله: { وَيَلْعَبُواْ } [الزخرف: 83] لأني أمرتهم أنْ يجدُّوا في الحياة، فإذا هم يلعبون فيها، فالجدّ يقابله اللهو واللعب، والفرْق بين اللهو واللعب أن اللعب أنْ تعمل شيئاً لا فائدةَ منه إلا التسلية، وهذا قبل أوان التكليف، فإذا كان مُكلَّفاً وفعل ما لا فائدةَ منه فهو لهو. ومنه قوله تعالى:وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } [الجمعة: 11] إذن: اللهو أنْ تنشغلَ بلعب لا يفيد عن واجب طُلِبَ منك. وقوله تعالى: { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [الزخرف: 83] إذن: أوعدهم الله بهذا اليوم ولم يتركهم هملاً ولم يخلقهم عبثاً، بل بيَّن لهم الحق والباطل، ووعدهم الجزاء كلٌّ بما يستحق، فالفعل { يُوعَدُونَ } [الزخرف: 83] من أوعد من الوعيد، وهو الإنذار بالشر قبل أوانه لتتجنبه. وهناك وَعَد من الوعْد، والوعد لا يكون إلا بالخير. إذن: الذين يدخلون النار لم يظلمهم اللهُ ولم يأخذهم على غِرَّة، بل أوعدهم وحذرهم من هذا المصير. والقرآن مليء بالوعد والوعيد، واقرأ:فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } [الليل: 5-10]. فالحق سبحانه وتعالى قدَّم لعبده الخير في وعده وفي وعيده، نعم حتى الوعيد فيه خير لأن الذي يحذرك من الشر قبل أنْ تقع فيه يُسدي لك جميلاً يستحق عليه الشكر. وفي ضوء ذلك فهمنا قوله تعالى وهو يُعدِّد نعمه علينا في سورة الرحمنيُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 35-36] فهل النار والشواظ والنحاس يمكن أن يكون في عداد نعم الله؟ نعم هي نعمة من الله لأنه يحذرك من أسباب الوقوع فيها ويبعدك عنها. فالآية إذن { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [الزخرف: 83] دعوة لرسول الله أنْ يُهوِّن الأمر على نفسه ولا يشقّ عليها بسبب عناد قومه وتماديهم في ضلالهم. فالحق سبحانه يُسلِّي رسوله ويُخفف عنه، كما خاطبه في آيات كثيرة بهذا المعنى مثل قوله سبحانه:فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [فاطر: 8].