الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }

هنا الفعل ضُرِب مبني لما لم يُسَمَّ فاعله، فمَنِ الذي ضرب ابن مريم مثلاً؟ الحق سبحانه وتعالى هو الذي جعل ابن مريم مثلاً، لأنه وُلِد لأم بلا أب، وجاء من نفخة الحق سبحانه في مريم، فنسبوه إلى الله، تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً، فردَّ الله عليهم بأن عيسى في الخَلْق مثل آدم.إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [آل عمران: 59] فإذا كان عيسى بلا أب، فآدم بلا أب وبلا أم، والذي يقدر على الأعلى يقدر على الأدنى من باب أَوْلَى، فلا تُفتنوا فيه. وبعد أن نزل قوله تعالى:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98] تبيَّن أنه الضّال بعبادة غير الله هو ومعبوده في جهنم معاًحَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] يعني: وقودها. " وجاء رجل اسمه عبد الله بن الزبعري قبل أنْ يسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا محمد أهذه الآية لنا أم لجميع الخَلْق؟ قال صلى الله عليه وسلم: لجميع الخَلْق، فقال له: كيف وعيسى عُبد من دون الله، والعُزير عُبد من دون الله، والملائكة عُبدوا من دون الله، أيذهب هؤلاء مع عابديهم إلى النار؟ فلم يُجبْه رسولُ الله إلى أنْ نزل قول الله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } ". ولما بلغتْ هذه المسألة سيدنا علياً رضي الله عنه قال: ما هنا لغير العاقل، فلا يدخل في هذا الحكم عيسى ولا العُزير ولا الملائكة، وهذه من حكمة الإمام علي الذي تربَّى في حضن النبي وتعلَّم في مدرسته منذ صِغَره، وجاءت ثقافته من نور النبوة. لذلك ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها ". وكان من الفقهاء أصحاب الاستنباط الواعي حتى أمام كبار الصحابة، حتى إن عمر بن الخطاب الذي كان ينزل القرآن وِفْق رأيه يقف في مسألة لا يحلُّها إلا على، حيث عُرضَتْ عليه مسألة المرأة التي ولدتْ لستة أشهر فقال بإقامة الحدِّ عليها، لأن المشهور في أشهر الحمل تسعة أشهر. فقال: يا أمير المؤمنين لا شيء عليها لأن الله يقول:وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15] ويقول:وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [البقرة: 223] إذن: مدة الحمل يمكن أن تكون ستة أشهر. ومرة دخل على سيدنا عمر ومعه درّة، يريد أن يضرب بها سيدنا حذيفة فقال له: ما لي أراكَ مُغضباً يا أمير المؤمنين؟ قال: سألتُ حذيفة كيف أصبحتَ؟ فقال: أصبحتُ أحب الفتنة، وأكره الحق، وأصلي بغير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء.

السابقالتالي
2