الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ }

هنا يشعر فرعون بالخطر، وتهتز مكانته أمام قومه، يشعر أن موسى يسحب البساط من تحت قدميه حيث تتجه إليه الأنظار خاصة بعد حادثة السحرة الذين آمنوا بربِّ هارون وموسى ولم ينتظروا إذناً من فرعون. وبعد أنْ نزل بهم القحط، وأصابهم الجَدْب حتى يئسوا فتوجَّهوا إلى موسى وطلبوا منه كشْف ما هم فيه، لذلك نرى فرعون يحاول أنْ يعيد مكانته ويُحسِّن صورته أمام قومه. { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ } [الزخرف: 51] بماذا نادى مُناديه؟ { قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الزخرف: 51] يعني: انتبهوا إلى مكانتي ومُلْكي وقدرتي عليكم ولا تهتموا بأمر موسى، فأنا لا أزال مَلِك مصر، والأنهار تجري من تحتي. يعني: لا أزال وليَّ نعمتكم. { أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } لكن نلاحظ في ندائه هذا أنه لم يقُلْ شيئاً عن ألوهيته. ولم يقُلْ: أنا ربكم الأعلى فقد تنازل عن هذه الشعارات التي لم يَعُدْ لها موضع بعد ما حدث مع موسى. ثم تأمل صيغة النداء { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ } [الزخرف: 50] بهذا الاستفهام التقريري، يعني: قُولوا لي ألم أزل ملكاً عليكم، ولم يأت مثلاً بأسلوب الخبر: أنا ملك مصر. إذن: يتحدثُ فرعون الآن من موقف الضعف، نعم لأنه كان يقولفَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24] والآن يقول: { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ } [الزخرف: 51]. كلمة { مُلْكُ } [الزخرف: 51] مادتها م ل ك، نلاحظ أن الميم تأتي مرة بالكسر، ومرة بالفتح، ومرة بالضم، فالميم المكسورة مِلك. يعني: كل ما تمتلكه ولو حتى اللباس الذي تلبسه يسمى مِلك. ومُلْك بالضم تعني الإدارة والسيطرة على مَنْ له مِلك. يعني: يملك مَنْ يملك، ومَلك بالفتح يعني الإرادة والاختيار، كما في قوله تعالى:مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } [طه: 87] أي: بإرادتنا. وفي اسم الفاعل نقول ملك ومالك، مالك تقال لكل منا يُسمَّى مالك، حتى لو كان يملك مجرد ملابسه. أما ملك فلا تُقال إلا لمَنْ يملك ويتحكم في المالك. لكن حين نقرأ مثلاً في سورة الفاتحة:مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 4] ولم يقُلْ مَلِك، صحيح هي في إحدى القراءات { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } لكن الأشهر مَالِك، فما الحكمة أنْ يعدل عن اللفظ الأقوى إلى الأقل منه؟ قالوا: اختار الحق سبحانه لفظ مالك ليقول أنه سبحانه مالكٌ ليوم القيامة، وغيره يملك الأرض وما عليها، فقوله { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 4] يعني: غيره لا يملك هذا اليوم، فهي لله وحده، لذلك قال:لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16]. هكذا بالقصر عليه سبحانه دون غيره. إذن: لفظة مالك هي المطلوبة هنا، وهي التي تؤدي المعنى المراد، فهي الأدلُّ على المعنى وإنْ كانت أدْنى من ملك.

السابقالتالي
2 3