الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }

هنا وقفة تأمل لنفهم الآية { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ } [الزخرف: 45] كيف يسألهم رسول الله وهم أموات، لماذا يأمره ربه عزَّ وجل هذا الأمر؟ وإذا أمر الحق سبحانه رسوله أمراً وجب عليه أن يطيع. وقد هيَّأ الحق سبحانه هذه الفرصة لنبيه صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج حيث التقى فعلاً بإخوانه الأنبياء السابقين، واجتمع بهم وصلى بهم إماماً في بيت المقدس وهم أموات بقانون الموت وهو حَيٌّ بقانون الأحياء. وثبت أنه خاطب بعضهم، وتحدث معه كما تحدث مع سيدنا موسى عليه السلام، وأنه راجعه في أمر الصلوات الخمسين، إلى أنْ جعلها الله خمساً. فإنْ قلتَ: كيف يجتمع الضِّدان ميت و حي ويكون بينهما كلامٌ وتفاهم؟ نقول: يجوز ذلك لأنه فعل القدرة وطلاقة القدرة لله تعالى، فطلاقة القدرة لا ترتبط بقوانين الحيِّ والميت. وسبق أنْ قلنا: إنه ينبغي أنْ ننسب الفعل للفاعل لنستريح، فهذه المسألة غَيْبٌ نؤمن به وننسب كلَّ عجيب فيها إلى مُنشئ هذا العجب. تذكرون قصة سيدنا إبراهيم لما ألقوْهُ في النار، ماذا حدث؟ القانون أن النار تحرق، لكن ماذا إنْ أرادها الله بَرْداً وسلاماً وهي ما زالت ناراً مشتعلة؟ لما أرادها الله كانت بَرْداً وسلاماً على إبراهيم، وتعطَّل فيها قانون الإحراق. ولو شاء سبحانه لسخَّر لهذه النار سحابة تمطر عليها حتى تنطفئ، ولو شاء ما تمكَّنوا من إبراهيم ولا أمسكوا به، لكن لتتم المعجزة مكَّنهم الله من إبراهيم وألقوه بالفعل في النار وهي تشتعل، ومع ذلك لم تحرقه، فهذه هي طلاقة القدرة. كذلك رأينا طلاقة القدرة في قصة عصا سيدنا موسى لما ضرب بها البحرَ فانفلقَ، وتجمَّد فيه الماءُ حتى صار كل فِرْق كالطوْد العظيم، وهي نفس العصا ضرب بها الحجر فانفجرتْ منه اثنتا عشرة عيناً، فالحق يعطينا لقطاتٍ لطلاقة القدرة وخَرْق العادة والقوانين لنقيسَ عليها. بعض المفسِّرين يستبعدون هذه المسألة. أي: اللقاء بين الحي والميت - ويُؤوِّلون المعنى بما يوافق ميولهم، فيقولون: المراد واسأل أتباع الرسل قبلك لأنهم أخذوا الدين عنهم. وأصحاب هذا الرأي يريدون أنْ يُفلتوا من مسألة التقاء الحيِّ بالميت، ومن إثبات هذه المعجزة الخارقة للعادة، لكن لا غرابةَ في ذلك ولا عجبَ لأن الفاعل مَنْ؟ الله. أو: أن المراد بالسؤال في { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } [الزخرف: 45] ليس السؤال في ذاته ولا الجواب في ذاته، إنما المراد العِظَة والاعتبار على حَدِّ قول الخطيب مثلاً في خطبة الجمعة: سَل الأرض مَنْ أجرى فيها الأنهار، ومَنْ أنبت فيها الأشجار، سَل الروض مُزداناً، سَل الماء جارياً.. إلخ. إذن: ليس المراد أنْ نسأل الأرض، إنما نسأل أنفسنا ونتفكر ونتأمل.

السابقالتالي
2