الهمزة هنا أيضاً للاستفهام، يقول سبحانه: أتستوي عندكم البنت التي تُنشَّأ في الحلية بالولد. ومعنى { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ } [الزخرف: 18] يعني: تُربَّى في الزينة والرفاهية، فالبنت عندنا مثلاً نهتم بها وبملبسها ومظهرها، نُلبسها الحَلَق والأسوْرة والثياب الجميلة على خلاف الولد. { وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ.. } [الزخرف: 18] أي: في مواقف الجدل والدفاع { غَيْرُ مُبِينٍ } [الزخرف: 18] يعني: ليس له قوة في إظهار الحجة. إذن: البنت التي نسبوها لله تُربَّى على الرفاهية والنعمة، ولبس الحرير والذهب والزينة، لأنها خُلقَتْ للاستمالة، ونحن نحرص على مظهر البنت وشكلها ونُزيِّنها أولاً وأخيراً لتتزوج. وفي الغالب نلجأ للزينة وللجمال الصناعي حينما لا يتوفر للبنت الجمال الطبيعي، بدليل أن العرب كانت تسمي المرأة الجميلة غانية. يعني: استغنت بجمالها الطبيعي عن أيِّ زينة. أما الذكر فعلى خلاف ذلك، الذكر مع أبيه في الحقل وفي المصنع، وفي الخصام والجدال، وفي كل عمل شاقّ، فهل يستويان؟ وهذا لا يعني أن هذه قاعدة عامة في الجنس كله، فقد نجد في النساء صاحبة الرأي السديد والحجة القوية التي فاقتْ الرجال. تذكرون لما مُنع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من دخول مكة للعمرة وهم على مشارفها، واضطرَّ رسول الله لأنْ يبرم معاهدة الحديبية مع كفار مكة على أنْ يعودَ هذا العام ويحجّ في العام الذي يليه. عندما غضب الصحابة وثاروا وعزَّ عليهم أنْ يُمنعوا من البيت وهم على مشارف مكة، حتى أن سيدنا عمر ثار وقال: يا رسول الله ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فَلِمَ نعطى الدَّنية في ديننا؟ وكان القوم يخرجون عن طاعة رسول الله ويعصون أوامره، حتى دخل خباءه على السيدة أم سلمة وهو مُغْضَب، فقالت له: ما لي أراك مُغْضباً يا رسول الله؟ فقال: هلك القوم، أمرتُهم فلم يمتثلوا. فقالت: يا رسول الله، اعذرهم فهم قوم مكروبون، وقد جاءوا من المدينة على شوق للبيت، ويشقّ عليهم أنْ يُمْنَعوه وهم على مشارف مكة، فاذهب يا رسول الله إلى ما أمرك الله، فافعله أمامهم، فلو رأوْكَ تفعل علموا أن الأمر عزيمة لا جدالَ فيه، فلما فعل الرسول أمامهم فعلوا مثله، وانتهت المشكلة وعادوا إلى المدينة. ورحمةً بغيرة المسلمين على دينهم نزل الوحي على سيدنا رسول الله وهو في الطريق وقبل أنْ يصلوا المدينة يوضح لهم الحكمة الإلهية من عودتهم هذا العام، فقال تعالى:{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }