الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ }

قوله سبحانه { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا.. } [الزخرف: 15] إشارة إلى الذين نسبوا إلى الله تعالى الولد، تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً، ذلك لأن الولد جزء من أبيه، وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: " فاطمة بضعة مني " يعني: قطعة مني. ولما نسبوا لله تعالى الولد مرة سمَّوْهُ ابن الله، ومرة قالوا: الله، ومرة قالوا: ثالث ثلاثة. والعجيب أنهم وقعوا في هذا الخطأ مع مَنْ؟ مع النبي الذي أرسله الله إليهم، فجعلوا النبي ذاته وسيلة للشرك. الأمر الثاني: أن الجزء المنفصل عن الأبوين إما ذكر وإما أنثى، ومعلوم أن الذكر عندهم أشرف من الأنثى ومُقدَّم عليها، بدليل قوله تعالى:وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ.. } [النحل: 58-59]. وهؤلاء لما نسبوا لله تعالى الولد نسبوا له الأنثى، وهي مذمومة عندهم، تعلمون قصة أبي حمزة لما تزوج من امرأة لا تلد ذكراً، فهجرها إلى غيرها، فقالت تُنفِّس عن نفسها:
مَا لأَبِي حَمْزَةَ لاَ يأْتينَا   يَظَلُّ فِي البَيْت الذِي يَلِينَا
غَضْبَانَ إلاَّ نلِدَ البَنِينَا   تَالله مَا ذَلِكَ فِي أَيْدِينَا
فنَحنُ كالأرْضِ لغَارسِينَا   نُعطِي الذي غَرَسُوه فِينَا
وهكذا أخبرتْ المرأة العربية قديماً ما أثبته العلم الحديث من أن المرأة غير مسئولة عن الذكورة أو الأنوثة في الولد، فهي مُتلقية وحاضنة فقط، والرجل هو المسئول عن هذه المسألة. والقرآن يقول:وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [النجم: 45-46] والنطفة هي ماء الرجل الذي يُلقح البويضة، ويتحكم في الذكورة والأنوثة. ولأن نسبة الولد إلى الله تعالى أمرٌ عظيم وفادح ذُيِّلَتْ الآية بقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } [الزخرف: 15] تأمل دقة التعبير هنا الذي يناسب فداحة الاتهام، فـ { إِنَّ.. } للتوكيد و { لَكَفُورٌ } [الزخرف: 15] صيغة مبالغة من كافر. و { مُّبِينٌ } [الزخرف: 15] يعني: بيِّن وواضح الكفر، فكفره لا يَخْفى على أحد.